للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ أَنَّهَا لَا تَكُونُ قِصَاصًا، لِتَقَدُّمِهَا عَلَى سِرَايَةِ الْجِنَايَةِ وَتَمَيُّزِ الطَّرَفَيْنِ عَنِ السِّرَايَتَيْنِ، فَعَلَى هَذَا يَصِيرُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مُسْتَحِقًّا لِدِيَةِ النَّفْسِ لِفَوَاتِ الْقِصَاصِ فِيهَا بِالسِّرَايَةِ إِلَيْهَا وَهِيَ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ لِحُدُوثِهَا عَنْ مُبَاحٍ، وَقَدِ اسْتَوْفَى الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مِنْ دِيَةِ النَّفْسِ عُشْرَهَا وَهِيَ دِيَةُ الْأصْبع الْمُقْتَصِّ مِنْهَا، فَيَرْجِعُ فِي مَالِ الْجَانِي بِتِسْعَةِ أَعْشَارِ الدِّيَةِ، وَقَدِ اسْتَوْفَيْنَا هَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ لِمَا تَعَلَّقَ بِهِمَا مِنْ شَرْحِ الْمَذْهَبِ.

(مَسْأَلَةٌ)

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ كَانَ مَاتَ مِنْهَا قَتَلْتُهُ بِهِ لِأَنَّ الْجَانِيَ ضَامِنٌ لِمَا حَدَثَ مِنْ جِنَايَتِهِ وَالْمُسْتَقَادَ مِنْهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ لَهُ مَا حَدَثَ مِنَ القَوَدِ بِسَبَبِ الْحَقِّ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ سِرَايَةَ الْجِنَايَةِ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْجَانِي، وَسِرَايَةَ الْقِصَاصِ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَى الْمُقْتَصِّ لَهُ، لِحُدُوثِ سِرَايَةِ الْجِنَايَةِ عَنْ مَحْظُورٍ وَحُدُوثِ سِرَايَةِ الْقِصَاصِ عَنْ مُبَاحٍ، وَإِنْ سَوَّى أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ ضمان السرايتين، فعلى هذا صورة مسئلتنا أَنْ يَقْطَعَ أصْبعهُ فَيَقْتَصُّ مِنْ أصْبعهِ، ثُمَّ تَسْرِي الْجِنَايَةُ إِلَى نَفْسِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، فَيَجِبُ أَنْ يُقْتَصَّ لَهُ مِنْ نَفْسِ الْجَانِي، وَلَوْ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ قَدْ أَخَذَ دِيَةَ أصْبعهِ ثُمَّ مَاتَ مِنْ سِرَايَتِهَا لَمْ يُقْتَصَّ لَهُ مِنْ نَفْسِ الْجَانِي، لِأَنَّ أَخْذَهُ لِدِيَةِ أصْبعهِ عَفْوٌ عَنِ الْقِصَاصِ فِيهَا، وَسِرَايَةُ مَا لَا قِصَاصَ فِيهِ غَيْرُ مُوجِبَةٍ لِلْقِصَاصِ، وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِتِسْعَةِ أَعْشَارِ الدِّيَةِ، لِأَنَّهُ قَدْ أَخَذَ فِي دِيَةِ الْأُصْبُع عُشْرَهَا، فَصَارَ مُسْتَوْفِيًا لِجَمِيعِ الدية.

[(مسألة)]

قال المزني رضي الله عنه: " وَسَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ لَوْ شَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَهَبَتْ مِنْهَا عَيْنَاهُ وَشَعْرُهُ فَلَمْ يَنْبُتْ ثم برئ أقص مِنَ المُوضِحَةِ فَإِنْ ذَهَبَتْ عَيْنَاهُ وَلَمْ يَنْبُتْ شَعْرُهُ فَقَدِ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَإِنْ لَمْ تَذْهَبْ عَيْنَاهُ وَنَبَتَ شَعْرُهُ زِدْنَا عَلَيْهِ الدِّيَةَ وَفِي الشعر حكومة ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ سِرَايَةَ الْجِنَايَةِ تَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ تَسْرِيَ إِلَى النَّفْسِ، فَيَجِبُ الْقِصَاصُ لَهُ فِي السِّرَايَةِ كَوُجُوبِهِ فِي الْجِنَايَةِ لِأَنَّ النَّفْسَ تُؤْخَذُ تَارَةً بِالتَّوْجِئَةِ وَتَارَةً بِالسِّرَايَةِ، فَوَجَبَ الْقِصَاصُ فِي الْحَالَيْنِ وَلَيْسَتِ النَّفْسُ عَيْنًا تَرَى فَتَنْفَرِدُ بِالْأَخْذِ، فَلَوْ سَرَى قِصَاصُ الْجِنَايَةِ إِلَى النَّفْسِ كَانَ وَفَاءً لِحَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ تَسْرِيَ الْجِنَايَةُ إِلَى عُضْوٍ فِي الْجَسَدِ كَسِرَايَةِ قَطْعِ الْأصْبع إِلَى الْكَفِّ وَسِرَايَةِ قَطْعِ الْكَفِّ إِلَى الْمِرْفَقِ، فَالْقِصَاصُ فِي الْجِنَايَةِ دُونَ السِّرَايَةِ، وَيُؤْخَذُ

<<  <  ج: ص:  >  >>