للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العرب على غيرها نظر، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لمأثرةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ لِكَثْرَةِ عَدَدٍ كَانُوا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعَرَبِ أَكْفَاءً، وإن كَانَ لِسَابِقَةٍ فِي الْإِسْلَامِ كَانَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ المحتملين وأما سائر العجم، فَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الْبَصْرِيِّينَ أَنْ جَمِيعَهُمْ أَكْفَاءٌ للفرس مِنْهُمْ، وَالنَّبَط، وَالتُّرْكِ، وَالْقِبْطِ، وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الْبَغْدَادِيِّينَ إِنَّهُمْ يَتَفَاضَلُونَ فِي الْكَفَاءَةِ، فَالْفُرْسُ أَفْضَلُ مِنَ النَّبَطِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لو كان الدين معلق بِالثُّرَيَّا لَتَنَاوَلَهُ قَوْمٌ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ ".

وَبَنُو إسرائيل أفضل من القبض الَّذِينَ سَلَفَهُمْ وكَثْرَةِ الْأَنْبِيَاءِ فِيهِمْ، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ لِقَوْمٍ مِنَ الْفُرْسِ شَرَفٌ عَلَى غَيْرِهِمْ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ لِمُلْكٍ قَبْلَ الْإِسْلَامِ أَوْ مَأْثَرَةٍ تَقَدَّمَتْ لَمْ يَتَقَدَّمُوا بِهِ فِي الْكَفَاءَةِ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَإِنْ كَانَ لِسَابِقَةٍ فِي الْإِسْلَامِ احْتَمَلَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ الْمُحْتَمَلَيْنِ.

[فصل: الشرط الثالث وهو الحرية]

وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّالِثُ: وَهُوِ الْحُرِّيَّةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مٍِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ للهِ بِلْ أكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) {النحل: ٧٥) . فَمَنَعَ مِنَ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: " المؤمنون تتكافئ دماءهم وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ " يَعْنِي عَبِيدَهُمْ، فَجَعَلَ الْعَبِيدَ أَدْنَى مِنَ الْأَحْرَارِ، وَلِأَنَّ الرِّقَّ يَمْنَعُ مِنَ الملك وكمال التصرف، ويرفع الحجر للسيد فكان النَّقْصُ بِهِ أَعْظَمَ مِنْ نَقْصِ النَّسَبِ، وَإِذَا كان كذلك لم يكن العبد كفء الحرة ولا الأمة كفء الحر، وَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ الْمُدَبَّرُ، وَلَا الْمَكَاتَبُ، وَلَا المعتق نصفه، ولا من جزء من الرق، وإن قل كفء الحرة ولا تكون المدبرة والمكاتبة وَلَا أُمُّ الْوَلَدِ وَلَا الْمُعْتَقَةُ نِصْفُهَا، وَلَا مَنْ فِيهَا جُزْءٌ مِنَ الرِّقِّ، وَإِنْ قَلَّ كفء الحر واختلف أصحابنا هل يكون العبد كفء لمن عتق نصفها ورق بعضها، أو تكون الأمة كفؤاً لِمَنْ عَتَقَ بَعْضُهُ وَرَقَّ بَعْضُهُ أَمْ لَا؟ على وجهين:

أحدهما: لا تكون كفؤاً لِأَنَّ لِبَعْضِ الْحُرِّيَّةِ فَضْلًا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَكُونُ كفؤاً، لِأَنَّ مَنْ لَمْ تَكْمُلْ حُرِّيَّتُهُ فَأَحْكَامُ الرِّقِّ عَلَيْهِ أَغْلَبُ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مَنْ عتق بعضه كفؤاً للحر تغليباً للرق صار كفء العبد، فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يَكُونُ مَنْ ثُلُثِهِ حر لمن نصفه حر حتى تساوا مَا فِيهِمَا مِنْ حُرِّيَّةٍ وَرِقٍّ، وَعَلَى الْوَجْهِ الثاني يكونان كفؤاً وإن تفاضل بَاقِيهُمَا مِنْ حُرِّيَّةٍ وَرِقٍّ، فَأَمَّا الْمَوْلَى فَإِنْ كَانَ قَدْ جَرَى عَلَيْهِ رِقٌّ قَبْلَ الْعِتْقِ لم يكن كفء فالحرة الأصل، وإن لم يكن يجري عليه رق لكونه ابن عتق من رق فهل يكون كفء الحرة الْأَصْلِ عَلَى وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ الْوَجْهَيْنِ فِي موالي كل قبيلة هل يكونوا أكفائها في النكاح، فإن قيل يكونوا أكفائها صار المولي كفؤاً للحرة الأصل، وإن قيل لا يكونوا أكفاء لم

<<  <  ج: ص:  >  >>