عَلَى وَاضِعِ الْحَدِيدَةِ دُونَ وَاضِعِ الْحَجَرِ، لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ صَاحِبُ الْحَدِيدَةِ كَالدَّافِعِ لَهُ، وَلَوْ كَانَ صَاحِبُ الْحَجَرِ غَيْرَ مُتَعَدٍّ بِوَضْعِهِ وَصَاحِبُ الْحَدِيدَةِ مُتَعَدِّيًا فَعَثَرَ رَجُلٌ بِالْحَجَرِ فَوَقَعَ عَلَى الْحَدِيدَةِ فَمَاتَ ضَمِنَهُ وَاضِعُ الْحَدِيدَةِ دُونَ وَاضِعِ الْحَجَرِ، لِأَنَّ وَضْعَ الْحَجَرِ مُبَاحٌ، فَصَارَتِ الْجِنَايَةُ مَنْسُوبَةً إِلَى وَاضِعِ الْحَدِيدَةِ لِتَعَدِّيهِ، وَبَطَلَ التَّعْلِيلُ بِالدَّفْعِ الْمُلْغِي لِخُرُوجِهِ عَنِ التَّعَدِّي وَالْحَظْرِ، وَهَكَذَا لَوْ بَرَزَتْ نَبَكَةٌ مِنَ الْأَرْضِ فَعَثَرَ بِهَا هَذَا الْمَارُّ فَسَقَطَ عَلَى الْحَدِيدَةِ الْمَوْضُوعَةِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَمَاتَ ضَمِنَ وَاضِعُهَا دِيَتَهُ، لِأَنَّ بُرُوزَ النَّبَكَةِ الَّتِي عَثَرَ بِهَا لَا تُوجِبُ الضَّمَانَ فَأَوْجَبَهُ وَضْعُ الْحَجَرِ.
(فَصْلٌ)
وَلَوْ أَخْرَجَ طِينًا مِنْ دَارِهِ لِهَدْمٍ أَوْ بِنَاءٍ لِيَسْتَعْمِلَهُ حَالًا بَعْدَ حَالٍ فَعَثَرَ بِهِ بَعْضُ الْمَارَّةِ فَسَقَطَ مَيِّتًا نُظِرَ: فَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ ضَيِّقًا أَوِ الطِّينُ كَثِيرًا فَهُوَ مُتَعَدٍّ بِوَضْعِهِ، فِيهِ فَيَكُونُ ضَامِنًا لِدِيَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ وَاسِعًا وَالطِّينُ قَلِيلًا وَقَدْ عَدَلَ بِهِ عَنْ مَسْلَكِ الْمَارَّةِ إِلَى فِنَاءِ دَارِهِ لَمْ يَضْمَنْ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ بِهِ وَلَا يَجِدُ النَّاسُ مِنْ مِثْلِهِ بُدًّا.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَضْمَنُ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ، فَإِذَا أَفْضَى إِلَى التَّلَفِ ضَمِنَ كَتَأْدِيبِ الْمُعَلِّمِ، وَهَذَا فَاسِدٌ، لِمَا فِيهِ مِنَ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمُبَاحِ وَالْمَحْظُورِ مَعَ وُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا.
وَلَوْ رَشَّ مَاءً فِي طَرِيقٍ سَابِلٍ فَزَلِقَ فِيهِ بَعْضُ الْمَارَّةِ فَسَقَطَ مَيِّتًا ضَمِنَ دِيَتَهُ لِحُدُوثِهِ عَنْ سَبَبٍ مَحْظُورٍ، وَهَكَذَا لَوْ أَلْقَى فِي الطَّرِيقِ قُشُورَ بِطِّيخٍ أَوْ فَاكِهَةٍ قَدْ أَكَلَهَا فَزَلِقَ بِهَا إِنْسَانٌ فَمَاتَ ضَمِنَهُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ بَالَتْ دَابَّتُهُ فِي الطَّرِيقِ فَزَلِقَ إِنْسَانٌ فَمَاتَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا لَمْ يَضْمَنْ، كَمَا لَوْ رَمَحَتْ بِرِجْلِهَا وليس صحابها مَعَهَا لَمْ يَضْمَنْ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ " يَعْنِي: الْبَهِيمَةَ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا حِينَ بَالَتْ مَعَهَا ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِزَلَقِ بَوْلِهَا، سَوَاءٌ كَانَ رَاكِبًا أَوْ قَائِدًا أَوْ سَائِقًا لِأَنَّ يَدَهُ عَلَيْهَا فَجَرَى بَوْلُهَا الَّذِي فِي الطَّرِيقِ مَجْرَى بَوْلِهِ الَّذِي يَلْزَمُهُ ضمان ما تلف به.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ حَفَرَ فِي صَحْرَاءَ أَوْ طَرِيقٍ وَاسِعٍ مُحْتَمِلٍ فَمَاتَ بِهِ إِنْسَانٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَتَفْصِيلُ هَذَا أَنَّهُ إِذَا حَفَرَ بِئْرًا لَمْ يَخْلُ حَالُهُ فِي حَفْرِهَا مِنْ أَحَدِ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَحْفِرَهَا فِي مِلْكِهِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَحْفِرَهَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَحْفِرَهَا في الموات.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute