وَهَلْ يَكُونُ عَفْوًا أَوْ مُبَاحًا.
عَلَى مَا قَدَّمْنَا مِنَ الْوَجْهَيْنِ فِي مَعْنَى كَرَاهَةِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَهَا.
هَلْ كَانَ عَائِدًا إليها أو إلى ما يحدث فيها؟
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ عَائِدٌ إِلَيْهَا كَانَ اللَّعِبُ بِهَا مَعْفُوًّا عَنْهُ.
وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ عَائِدٌ إِلَى مَا يَحْدُثُ عَنْهَا، كَانَ اللَّعِبُ بِهَا مُبَاحًا.
وَهُوَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ.
(فَصْلٌ)
: وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي فِي اللَّعِبِ بِالْحَمَامِ: فَمَذْهَبُ مَالِكٍ تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ.
وَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ يَنْقَسِمُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:
أَحَدُهَا: مَا تُرَدُّ بِهِ شَهَادَتُهُ، وَهُوَ مَا يَخْرُجُ بِهِ إِلَى السَّفَاهَةِ، إِمَّا بِالْبَذْلَةِ فِي أَفْعَالِهِ وَإِمَّا بِالْخَنَا فِي كَلَامِهِ، وَالسَّفَاهَةُ خُرُوجٌ عَنِ الْعَدَالَةِ تُرَدُّ بِهَا الشَّهَادَةُ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَأَى رَجُلًا يَسْعَى بِحَمَامَةٍ فَقَالَ: " شَيْطَانٌ يَتْبَعُ شَيْطَانَةً ".
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مَا لَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ، وَهُوَ مَا كَانَ بِهِ مَحْفُوظَ الْمُرُوءَةِ لِاتِّخَاذِهَا إِمَّا لِلِاسْتِفْرَاخِ، وَإِمَّا لِحَمْلِ الْكُتُبِ إِلَى الْبِلَادِ، وَإِمَّا لِلْأَنَسَةِ بِأَصْوَاتِهَا، فَيَكُونُ عَلَى عَدَالَتِهِ وَقَبُولِ شَهَادَتِهِ.
وَرَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ أَنَّ رَجُلًا شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْوَحْدَةَ فَقَالَ: " اتَّخِذْ زَوْجًا مِنْ حَمَامٍ ".
وَلِأَنَّهَا تُسَمِّدُ كَمَا تُسَمِّدُ الْمَوَاشِي.
وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ: مَا اخْتُلِفَ فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ بِهِ.
وَهُوَ أَنْ يَتَّخِذَهُ لِلْمُسَابَقَةِ بِهِ وَفِيهِ وَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنِ اخْتِلَافِ الْوَجْهَيْنِ فِي قَوْلِهِ: " لَا سَبْقَ إِلَّا فِي خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ أَوْ نَصْلٍ ".
فَإِنْ جُعِلَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ أَصْلًا، قِيسَ عَلَيْهِ إِبَاحَةُ السَّبْقِ بِالْحَمَامِ، فَلَمْ يَخْرُجْ بِهِ مِنَ الْعَدَالَةِ وَلَمْ تُرَدَّ بِهِ الشَّهَادَةُ.
وَإِنْ جُعِلَ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي، اسْتِثْنَاءً من جملة محظور لم يقص عَلَيْهِ السَّبْقُ بِالْحَمَامِ. فَخَرَجَ بِهِ مِنَ الْعَدَالَةِ وَرُدَّتْ بِهِ الشَّهَادَةُ.
فَإِنِ اقْتَرَنَ بِهِ بِعِوَضٍ كَانَ حَرَامًا، وَإِنْ تَجَرَّدَ عَنِ الْعِوَضِ كَانَ سَفَهًا.
وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: وَاللَّاعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ وَالْحَمَامِ أخف حالا.