وَأَمَّا الْقِمَارُ فَهُوَ مَا يَأْخُذُهُ مِنَ الْعِوَضِ عَلَيْهَا إِنْ غَلَبَ، أَوْ يَدْفَعُهُ مِنَ الْعِوَضِ عَنْهَا إِنْ غُلِبَ لِتَحْرِيمِ اللَّهِ تَعَالَى الْقِمَارَ نَصًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: ٩٠] .
وَالْمَيْسِرُ هُوَ الْقِمَارُ وَالْقِمَارُ مَا لَمْ يَحِلَّ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا آخِذًا أَوْ مُعْطِيًا فَيَأْخُذُ إِنْ كَانَ غَالِبًا وَيُعْطِي إِنْ كَانَ مَغْلُوبًا.
فَأَمَّا إِنْ عَدَلَا عَنْهُ إِلَى حُكْمِ السَّبْقِ وَالرَّمْيِ، بِأَنْ يَنْفَرِدَ أَحَدُ الْمُتَلَاعِبَيْنِ بِإِخْرَاجِ الْعِوَضِ دُونَ صَاحِبِهِ لِيُؤْخَذَ مِنْهُ إِنْ كَانَ مَغْلُوبًا وَلِيَسْتَرْجِعَهُ إِنْ كَانَ غَالِبًا، وَيَكُونَ الْآخَرُ آخِذًا إِنْ كَانَ غَالِبًا وَغَيْرَ مُعْطٍ إِنْ كَانَ مَغْلُوبًا، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي جَوَازِهِ فِي الشِّطْرَنْجِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى جَوَازِهِ فِي السَّبْقِ وَالرَّمْيِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلِهِمْ في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا سَبْقَ إِلَّا فِي خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ أَوْ نَصْلٍ ".
هَلْ هُوَ أَصْلٌ بِذَاتِهِ أَوِ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ جُمْلَةِ مَحْظُورٍ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَصْلٌ فِي نَفْسِهِ يَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ. فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ مِثْلُهُ فِي الشِّطْرَنْجِ قِيَاسًا عَلَى السَّبْقِ وَالرَّمْيِ. لِجَوَازِ الْقِيَاسِ عَلَى أَصْلِ النَّصِّ. وَلَا يَكُونُ إِخْرَاجُ هَذَا الْعِوَضِ فِي الشِّطْرَنْجِ مَحْظُورًا فَلَا يَكُونُ بِهِ مَجْرُوحًا.
وَالْوَجْهُ الثاني: أن السبق والرمي مستثنا مِنْ جُمْلَةٍ مَحْظُورَةٍ. فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ مِثْلُهُ فِي الشِّطْرَنْجِ، لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَكُونُ عَلَى الْأَصْلِ دُونَ الِاسْتِثْنَاءِ وَيَكُونُ إِخْرَاجُ هَذَا الْعِوَضِ فِي الشِّطْرَنْجِ مَحْظُورًا وَيَصِيرُ بِإِخْرَاجِهِ مَجْرُوحًا.
وَأَمَّا تَشَاغُلُهُ بِهَا عَنِ الصَّلَاةِ، فَهُوَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ وَقْتُهَا فَيَنْقَطِعَ بِهَا عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى يَفُوتَ. فَإِنْ ذَكَرَهَا وَعَلِمَ بِفَوَاتِ الْوَقْتِ. فَقَدْ فسق، ولو كان دَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ نَسِيَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِدُخُولِ الْوَقْتِ حَتَّى فَاتَ، فَإِنْ كَانَ فِي دَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ، لَمْ يَفْسُقْ بِهِ. وَإِنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ ذَلِكَ وَكَثُرَ فَسَقَ بِهِ وَلَوْ تَكَرَّرَ مِنْهُ لِكَثْرَةِ الْفِكْرِ حَتَّى تَكَرَّرَ مِنْهُ نِسْيَانُ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا حَتَّى فَاتَ، لَمْ يَفْسُقْ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِ الْفِكْرِ عَنْ نَفْسِهِ إِذَا طَرَأَ، فَلَمْ يَفْسُقْ إِذَا كَثُرَ بِهِ نِسْيَانُ الصَّلَاةِ. وَلَعِبُ الشِّطْرَنْجِ مِنْ فِعْلِهِ وَاخْتِيَارِهِ فَيَفْسُقُ إِذَا كَثُرَ بِهِ نِسْيَانُ الصَّلَاةِ.
وَأَمَّا إِذَا تَجَرَّدَ لَعِبُ الشِّطْرَنْجِ عَمَّا يَفْسُقُ بِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَاسْتَرْوَحَ بِهِ فِي أَوْقَاتِ خَلَوَاتِهِ، مُسْتَخْفِيًا بِهِ عَنِ الْمُحْتَشِمِينَ، فَكَانَ لَعِبُهُ بِهِ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ:
إِمَّا لِيَشْفِيَ بِهِ هَمًّا وَيَسْتَحْدِثَ بِهِ رَاحَةً، وَإِمَّا لِيَرْتَاضَ بِهِ فِي تَدْبِيرِهِ وَجَزَالَةِ رَأْيِهِ وَصِحَّةِ حَزْمِهِ فَهُوَ عَلَى عَدَالَتِهِ وَقَبُولِ شهادته.