للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الزَّرْعَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: - ضَرْبٌ يُجَزُّ مَرَّةً فَيَذْهَبُ أَصْلُهُ كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ فَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيهِ. - وَضَرْبٌ يُجَزُّ مِرَارًا وَهُوَ بَاقِي الْأَصْلِ كَالْقَتِّ وَالْأُشْنَانِ وَأَنْوَاعٍ مِنَ الْبُقُولِ.

فَإِذَا بِيعَتْ أَرْضٌ فِيهَا مِنْهُ، كَانَ مَا ظَهَرَ مِنْ نَبَاتِهِ غَيْرَ دَاخِلٍ فِي الْبَيْعِ، وَكَانَ الْأَصْلُ الْبَاقِي تَبَعًا لِلْأَرْضِ كَالنَّخْلِ وَالشَّجَرِ وَهَلْ يُنْتَظَرُ بِمَا ظَهَرَ مِنْ نَبَاتِهِ تَنَاهِي جِزَازِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَنْتَظِرُ بِهِ تَنَاهِي الْجِزَازِ.

وَالثَّانِي: لَا يُنْتَظَرُ بِهِ بَلْ لَا حَقَّ لِلْبَائِعِ إِلَّا فِيمَا كَانَ ظَاهِرًا وَقْتَ الْعَقْدِ وَبِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَقَدْ مَضَى تَوْجِيهُهُمَا فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ النَّوْعُ مِنَ الزَّرْعِ بَذْرًا لَمْ يَظْهَرْ بَعْدُ فَمَنِ انْتَظَرَ فَمَا ظَهَرَ مِنْهُ تَنَاهِي الْجِزَازِ جَعَلَ مَا ثَبَتَ مِنْ هَذَا الْبَذْرِ أَوَّلَ جَزِّةٍ لِلْبَائِعِ وَمَنْ لَمْ يَنْتَظِرْ بِهِ التَّنَاهِي وَجَعَلَ حَقَّ الْبَائِعِ مَقْصُورًا عَلَى مَا ظَهَرَ جَعَلَ الْبَذْرَ وَجَمِيعَ مَا يَظْهَرُ مِنْ نَبَاتِهِ لِلْمُشْتَرِي.

فَصْلٌ:

فَأَمَّا الْبِطِّيخُ وَالْخِيَارُ وَالْقِثَّاءُ وَمَا تُؤْخَذُ ثَمَرَتُهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى لَكِنْ فِي عَامٍ وَاحِدٍ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي حُكْمِهِ إِذَا بِيعَتِ الْأَرْضُ وَهُوَ فِيهَا عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ الْبَغْدَادِيِّينَ أَنَّهُ يَكُونُ فِي حُكْمِ الشَّجَرِ فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ مِنْ ثَمَرَتِهِ مَا قَدْ ظَهَرَ، وَلِلْمُشْتَرِي الْأَصْلُ الْبَاقِي وَمَا يَظْهَرُ لِأَنَّ ثَمَرَتَهُ لَا تُوجَدُ دُفْعَةً فَصَارَ بِالشَّجَرِ أَشْبَهُ.

وَالْوَجْهِ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُ يَكُونُ فِي حُكْمِ الزَّرْعِ فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ أَصْلُهُ وَثَمَرُهُ، لِأَنَّهُ زَرْعُ عَامٍ واحد ولو تَفَرَّقَ لُقَاطُ ثَمَرِهِ، وَالشَّجَرُ مَا بَقِيَ أَعْوَامًا فَأُلْحِقَ بِهِ فِي الْحُكْمِ مَا بَقِيَ أَعْوَامًا كَالْعَلَفِ وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِ مَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا عَامًا وَاحِدًا كَالزَّرْعِ.

فَصْلٌ:

فَأَمَّا الْمَوْزُ فَأَصْلُهُ لَا يُحْمَلُ إِلَّا سَنَةً وَاحِدَةً ثُمَّ يَمُوتُ بَعْدَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَكَانَهُ فَرْخًا يَحْمِلُ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْأَصْلُ الْمَوْجُودُ وَقْتَ الْعَقْدِ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ كَالزَّرْعِ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى بَعْدَ سَنَتِهِ، وَالْفَرْخُ الَّذِي يُسْتَخْلَفُ كَالشَّجَرِ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ.

مَسْأَلَةٌ:

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَإِنْ كَانَ فِيهَا حَبٌّ قَدْ بَذَرَهُ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إِنْ أَحَبَّ نَقْضَ الْبَيْعِ أَوْ تَرْكَ الْبَذْرِ حَتَّى يَبْلُغَ فَيُحْصَدَ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ. إِذَا ابْتَاعَ أَرْضًا فِيهَا بَذْرٌ لِزَرْعٍ لَا يَبْقَى لَهُ بَعْدَ حَصَادِهِ أَصِلٌ كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ، فَالْبَذْرُ لِلْبَائِعِ خَارِجٌ مِنَ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ مُسْتَوْدَعٌ فِي الْأَرْضِ لِتَكَامُلِ الْمَنْفَعَةِ لَا لِلِاسْتِدَامَةِ، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِهِ فَلَا خِيَارَ لَهُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ فَهُوَ بِالْخِيَارِ فَإِنْ أَقَامَ كَانَ الْبَذْرُ مَقَرًّا فِي الْأَرْضِ إِلَى وَقْتِ حَصَادِهِ كَمَا قُلْنَا فِي الزَّرْعِ فَإِنْ قِيلَ فَهَلَّا كَانَ بَيْعُ الْأَرْضِ الْمَبْذُورَةِ أَوِ الْمَزْرُوعَةِ بَاطِلًا فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ كَالْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْمَبِيعِ فِي الْحَالَيْنِ مُسْتَحَقَّةٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>