أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيِّ يُقَدَّمُ حَقُّهُ عَلَى حَقِّ الْقَضَاءِ لِثُبُوتِهِ فِي الذِّمَّةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدِي، إِنَّهُ يُقَدَّمُ حَقُّ الْقَضَاءِ عَلَى حَقِّهِ. لِأَنَّ فَرْضَ الْقَضَاءِ مُسْتَحَقٌّ فِي أَوَّلِ زَمَانِ الْمُكْنَةِ فَصَارَتْ كَالْمُؤَقَّتَةِ شَرْعًا.
وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: مَا كَانَ مِنَ السُّنَنِ الْمَشْرُوعَةِ فِي الْجَمَاعَةِ كَالْعِيدَيْنِ، وَكَذَا الِاسْتِسْقَاءُ وَالْخَسُوفَيْنِ فَلَهُ مَنْعُهَا مِنَ الْخُرُوجِ لِلْجَمَاعَةِ، وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ فِعْلِهَا فِي مَنْزِلِهَا لِمُسَاوَاتِهَا لَهُ فِي الْأَمْرِ بِهَا وَالنَّدْبِ إِلَيْهَا وَإِنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِوَقْتٍ يَفُوتُ بِالتَّأْخِيرِ فَأَشْبَهَتِ الْفُرُوضَ وَإِنْ لَمْ تُفْرَضْ.
وَالْقِسْمُ الْخَامِسُ: أَنْ تَكُونَ نَذْرًا فَتَكُونَ كَالصَّوْمِ الْمَنْذُورِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي التَّقْسِيمِ.
وَالْقِسْمُ السَّادِسُ: أَنْ تَكُونَ تَطَوُّعًا مُبْتَدَأً فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ إِذَا دَعَاهَا إِلَى الِاسْتِمْتَاعِ وَلَهُ قَطْعُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهَا كَمَا يَقْطَعُ عَلَيْهَا صَوْمَ التَّطَوُّعِ لِوُجُوبِ حَقِّهِ فَلَمْ يَجُزْ إِسْقَاطُهُ بتطوعها والله أعلم بالصواب.
(الْقَوْلُ فِي النَّفَقَةِ إِذَا هَرَبَتِ الزَّوْجَةُ أَوِ امتنعت)
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " ولو هربت أو امتنعت أن كَانَتْ أَمَةً فَمَنَعَهَا سَيِّدُهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا هَرَبُهَا أَوْ نُشُوزُهَا عَلَيْهِ مَعَ الْمَقَامِ مَعَهُ فَهُمَا سَوَاءٌ فِي سُقُوطِ نَفَقَتِهَا، وَإِنْ كَانَتْ بِالْهَرَبِ أَعْظَمَ مَأْثَمًا وَعِصْيَانًا.
وَقَالَ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ: لَا تَسْقُطُ عَنْهُ بِالنُّشُوزِ، لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِمِلْكِ الِاسْتِمْتَاعِ وَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنِ الِاسْتِمْتَاعِ بِالنُّشُوزِ فَلَمْ تَسْقُطْ بِهِ النَّفَقَةُ، وَهَذَا فَاسِدٌ، لِأَنَّ وُجُوبَ النَّفَقَةِ بِالتَّمْكِينِ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ كَمَا تَجِبُ أُجْرَةَ الدَّارِ بِالتَّمْكِينِ مِنَ السُّكْنَى، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْمُؤْجِرَ إِذَا مَنَعَ الْمُسْتَأْجِرَ مِنَ السُّكْنَى سَقَطَتْ عَنْهُ الْأُجْرَةُ. كَذَلِكَ الزَّوْجَةُ إِذَا مَنَعَتْ مِنَ التَّمْكِينِ سَقَطَتِ النَّفَقَةُ.
(فَصْلٌ)
فَأَمَّا الْأَمَةُ إِذَا زَوَّجَهَا سَيِّدُهَا فَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِلْحُرَّةِ فِي التَّمْكِينِ، لِأَنَّ الْحُرَّةَ يَلْزَمُهَا تَمْكِينُ الزَّوْجِ مِنْ نَفْسِهَا لَيْلًا وَنَهَارًا، وَالْأَمَةَ يَلْزَمُ السَّيِّدَ أَنْ يُمَكِّنَ زَوْجَهَا مِنْهَا لَيْلًا وَلَا يَلْزَمَهُ تَمْكِينُهُ مِنْهَا نَهَارًا.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الْأَمَةَ مَمْلُوكَةُ الِاسْتِخْدَامِ فِي حَقِّ السَّيِّدِ، وَمَمْلُوكَةُ الِاسْتِمْتَاعِ فِي حَقِّ الزَّوْجِ فَلَمْ يَسْقُطْ أَحَدُ الْحَقَّيْنِ بِالْآخَرِ مَعَ تَغَايُرِهِمَا وَتَمَيُّزِ زَمَانِهِمَا، وَالِاسْتِخْدَامُ أَخَصُّ بِالنَّهَارِ مِنَ اللَّيْلِ فَاخْتَصَّ بِهِ السَّيِّدُ فَلَمْ يَلْزَمْهُ تَسْلِيمُهَا بِالنَّهَارِ، وَاللَّيْلُ أخص