للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَإِنْ قِيلَ هَلَّا كَانَتْ تَحِيَّةُ الْبَيْتِ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ كَسَائِرِ الْمَسَاجِدِ.

قِيلَ: لَمَّا كَانَ الْبَيْتُ أَفْضَلَ مِنْ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ، وَجَبَ أَنْ تَكُونَ تَحِيَّتُهُ أَفْضَلَ مِنْ تَحِيَّةِ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ، وَالطَّوَافُ أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ، لِرِوَايَةِ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يُنْزِلُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى هَذَا الْبَيْتِ فِي كُلِّ يَوْمٍ عِشْرِينَ وَمِائَةَ رَحْمَةٍ، سِتُّونَ مِنْهَا لِلطَّائِفِينَ، وَأَرْبَعُونَ لِلْمُصَلِّينَ، وَعِشْرُونَ لِلنَّاظِرِينَ فَيَجْعَلُ لِلطَّائِفِ أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ الْمُصَلِّي ". فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الطَّوَافَ أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ. وَرَوَى أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " أَكْرَمُ سُكَّانِ أَهْلِ السَّمَاءِ عَلَى اللَّهِ، الَّذِينَ يَطُوفُونَ حَوْلَ عَرْشِهِ، وَأَكْرَمُ سُكَّانِ أَهْلِ الْأَرْضِ، الَّذِينَ يَطُوفُونَ حَوْلَ بَيْتِهِ ". وَرَوَى الْحَسَنُ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَوْ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ صَافَحَتْ أَحَدًا، لَصَافَحَتِ الْغَازِيَ، وَالطَّوَافُ بِالْبَيْتِ خَوْضٌ فِي الرَّحْمَةِ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيُبَاهِيَ بِالطَّائِفِينَ الْمَلَائِكَةَ ". وَهَذَا الطَّوَافُ سُمِّيَ طَوَافَ الْقُدُومِ، وَطَوَافَ الْوُرُودِ، وَطَوَافَ التَّحِيَّةِ، وَلَيْسَ بِنُسُكٍ، فَإِنْ تَرَكَهُ تَارِكٌ، فَحَجُّهُ يُجْزِئُ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو ثَوْرٍ: هُوَ نسك، لحجة المحرم، وَعَلَى تَارِكِهِ دَمٌ. قَالَ مَالِكٌ: إِنْ تَرَكَهُ مُرْهَقًا، أَيْ مُسْتَعْجَلًا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَرَكَهُ مُطِيقًا، فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الطَّوَافَ تَحِيَّةُ الْبَيْتِ، وَلَيْسَ بِنُسُكٍ يَتَعَلَّقُ بالحج، ألا ترى أنه لو ضاق بِهِمُ الْوَقْتَ، فَتَوَجَّهُوا إِلَى عَرَفَةَ، يَسْقُطُ عَنْهُمْ، وَلَوْ كَانَ نُسُكًا، لَزِمَهُمْ أَنْ يَقْضُوا إِذَا عَادُوا، أَوْ يَفْتَدُوا بِدَمٍ، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ بنسك.

[مسألة]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَيُفْتَتَحُ الطَّوَافُ بِالِاسْتِلَامِ، فَيُقَبَّلُ الرُّكْنُ الْأَسْوَدُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا أَرَادَ الطَّوَافَ، فَيَجِبُ أَنْ يَبْتَدِئَ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَدَأَ بِهِ، ثُمَّ يَصْنَعُ خَمْسَةَ أَشْيَاءَ:

أَحَدُهَا: أَنْ يُحَاذِيَهُ بِيَدَيْهِ لِرِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ، اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ فَإِنْ حَاذَى جَمِيعَ الْحَجَرِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ كَانَ أَوْلَى، وَإِنْ حاذى بعض الحجر بجميع بدنه، أجزأه، لأن لَمَّا كَانَ الْمُسْتَقْبِلُ لِبَعْضِ الْكَعْبَةِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ كَالْمُسْتَقْبِلِ لِجَمِيعِ الْكَعْبَةِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُحَاذِي لِبَعْضِ الْحَجَرِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ، كَالْمُحَاذِي لِجَمِيعِ الْحَجَرِ، وَإِنْ حَاذَى جَمِيعَ الْحَجَرِ بِبَعْضِ بَدَنِهِ، أَوْ حَاذَى بَعْضَ الْحَجَرِ بِبَعْضِ بَدَنِهِ، فَفِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ: يُجْزِئُهُ، لِأَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِالْبَدَنِ، فَحُكْمُ الْبَعْضِ مِنْهُ حُكْمُ الجميع، كالجلد.

<<  <  ج: ص:  >  >>