وَنَظِيرُهُ مِنَ الضَّمَانِ: أَنْ يَضْمَنَ زَيْدٌ عَنْ عَمْرٍو أَلْفًا ثُمَّ يَعُودُ عَمْرٌو لِيَضْمَنَهَا عَنْ زَيْدٍ، فَيَكُونُ ضَمَانُ زَيْدٍ بَاطِلًا.
فَأَمَّا إِذَا حَصَلَ لِزَوْجَةِ الْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ مَالٌ عَنْ مُعَامَلَةٍ: فَأَعْطَاهَا زَوْجَهَا رَهْنًا بِمَالِهَا عَلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا. وَالنِّكَاحُ بِحَالِهِ؛ لِأَنَّ ارْتِهَانَهَا لَهُ اسْتِيثَاقٌ بِهِ فِي الْحَقِّ فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ النكاح.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " ولو أكرى الرهن من صاحبه أو أعاره إِيَّاهُ لَمْ يَنْفَسِخِ الرَّهْنُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ خُرُوجَ الرَّهْنِ مِنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ إِلَى يَدِ الرَّاهِنِ لَا يُبْطِلُ الرَّهْنَ؛ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ قَبْضِهِ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي صِحَّتِهِ خِلَافًا لأبي حنيفة. وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ مَعَهُ وَإِيَّاهُ قَصَدَ الشَّافِعِيُّ.
وَلَوْ أَكْرَى الرَّهْنَ مِنْ صَاحِبِهِ أَوْ أَعَارَهُ لَمْ يَنْفَسِخِ الرَّهْنُ. فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى مَذْهَبِكُمْ أَنَّ مَنَافِعَ الرَّهْنِ وَنَمَاءَهُ لِلرَّاهِنِ فَكَيْفَ يَصِحُّ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الرَّهْنَ أَوْ يَسْتَعِيرَهُ مِنَ الْمُرْتَهِنِ؟ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَجْوِبَةٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ عَوْدَ الرَّهْنِ إِلَى يَدِ الرَّاهِنِ لَا يَفْسَخُ الرَّهْنَ رَدًّا عَلَى أبي حنيفة حَيْثُ جَعَلَ عَوْدَهُ إِلَى يَدِهِ فَاسِخًا لِلرَّهْنِ. فَعَبَّرَ عَنْهُ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ، لِأَنَّهَا لَفْظُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فَأَوْرَدَهُ عَلَى جِهَتِهِ تَبَرُّكًا بِهِ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ صحة إجاراته، وَإِعَارَتِهِ.
وَالْجَوَابُ الثَّانِي أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ إِضْمَارًا يَصِحُّ عَوْدُ الْجَوَابِ إِلَيْهِ. وَهُوَ أَنَّهَا مُصَوَّرَةٌ فِي رَهْنٍ فَقَدْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ اسْتَأْجَرَهُ مِنَ الرَّاهِنِ قَبْلَ الرَّهْنِ أَوْ بَعْدَهُ، فَكَانَ فِي يَدِهِ بِعَقْدَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَى مَنْفَعَتِهِ.
وَالثَّانِي: عَقْدُ الرَّهْنِ عَلَى رَقَبَتِهِ. فَيَكُونُ الْمُرْتَهِنُ لِأَجْلِ الْإِجَارَةِ مَالِكًا لِمَنَافِعِهِ. فَإِنِ اسْتَأْجَرَهُ الرَّاهِنُ مِنْهُ أَوِ اسْتَعَارَهُ فَالْإِجَارَةُ صَحِيحَةٌ، وَالْعَارِيَةُ جَائِزَةٌ، وَعَقْدُ الرَّهْنِ بِحَالِهِ لَا يَنْفَسِخُ.
وَقَدْ يَصِحُّ مَثَلٌ فِي الْوَصَايَا فِي رَجُلٍ وَصَّى بِرَقَبَةِ عَبْدِهِ لِرَجُلٍ وَمَنْفَعَتِهِ لِآخَرَ أَوْ صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ لَهُمَا بِمَوْتِهِ وَقَبُولِهِمَا. ثُمَّ إِنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ رَهَنَ رَقَبَةَ الْعَبْدِ عِنْدَ الْمُوصَى لَهُ بالمنفعة، فصارت المنفعة بِالْوَصِيَّةِ وَالرَّقَبَةِ فِي يَدِهِ بِالرَّهْنِ، فَلَوْ عَادَ الراهن فاستأجر الْعَبْدَ الْمَرْهُونَةُ رَقَبَتُهُ أَوِ اسْتَعَارَهُ لَمْ يَنْفَسِخِ الرَّهْنُ.
وَالْجَوَابُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْهَاءَ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ أَكْرَى الرَّهْنَ مِنْ صَاحِبِهِ، كِنَايَةٌ تَعُودُ إلى المرتهن دين الرَّاهِنِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إِلَى الْمُرْتَهِنِ لِأَجْلِ رَهْنِهِ، كَمَا يُضَافُ إِلَى