الصَّلَاةِ، وَبِمِثْلِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَ زَكَوَاتِ الْأَمْوَالِ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْجِزْيَةِ فَلَا يَصِحُّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّ وُجُوبَ الْجِزْيَةِ أَضْيَقُ، وَوُجُوبَ الزَّكَاةِ أَوْسَعُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْجِزْيَةَ تَجِبُ عَلَى الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ، وَالزَّكَاةَ تَجِبُ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَلَمْ يَصِحَّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
الْقَوْلُ فِي زَكَاةِ الْمُكَاتَبِ
[مسألة:]
قال الشافعي رضي الله عنه: " فأما مال المكاتب فخارجٌ من مِلْكِ مَوْلَاهُ إِلَّا بِالْعَجْزِ وَمُلْكُهُ غَيْرُ تَامٍّ عَلَيْهِ فَإِنْ عَتَقَ فَكَأَنَّهُ اسْتَفَادَ مِنْ سَاعَتِهِ وَإِنْ عَجَزَ فَكَأَنَّ مَوْلَاهُ اسْتَفَادَ مِنْ سَاعَتِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ.
لَا زَكَاةَ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ، وَبِهِ قَالَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ، وَحُكِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ وَأَبِي ثَوْرٍ أَنَّ الزَّكَاةَ في ماله، اسْتِدْلَالًا بِعُمُومِ الظَّوَاهِرِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، قَالُوا وَلَيْسَ فِي الْمُكَاتَبِ أَكْثَرُ مِنْ نُقْصَانِ التَّصَرُّفِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ كَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ، وَهَذَا غَلَطٌ.
وَالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْهُمْ قَالَ: " لَا زَكَاةَ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ " وَلَيْسَ لَهُ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ.
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ولأن المكاتب ناقص الملك، لأنه لا يورث ولا يرث فَلَمْ تَلْزَمْهُ الزَّكَاةُ، لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا تَمَامُ الملك، ولهذا الْمَعْنَى فَرَّقْنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّفِيهِ وَالْمُفْلِسِ، لِأَنَّ مِلْكَهُمَا تَامٌّ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا يَرِثَانِ وَيُورَثَانِ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنْ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فَإِنْ عَجَزَ عَادَ الْمِلْكُ إِلَى سَيِّدِهِ وَيَسْتَأْنِفُ الْحَوْلَ مِنْ وَقْتِ عَوْدِهِ وَإِنْ عُتِقَ مَلَكَ مَالَ نَفْسِهِ، وَاسْتَأْنَفَ الْحَوْلَ مِنْ يَوْمِ عِتْقِهِ.
فَصْلٌ
: فَأَمَّا الْعَبْدُ إِذَا مَلَّكَهُ السَّيِّدُ مَالًا فَهَلْ يَمْلِكُهُ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: فَإِنْ قِيلَ لَا يَمْلِكُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَعَلَى السَّيِّدِ زَكَاتُهُ، وَإِنْ قِيلَ يَمْلِكُ فَلَا زَكَاةَ عَلَى السَّيِّدِ، لِخُرُوجِهِ مِنْ مِلْكِهِ، وَلَا عَلَى الْعَبْدِ لِرِقِّهِ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: تَجِبُ زَكَاتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ لِأَنَّ لَهُ انْتِزَاعَ الْمَالِ مِنْ يَدِهِ، وهذا غلط، والأول أصح؛ لأنه ليس له جواز الرجوع فيه بموجب بقائه عَلَى الْمِلْكِ، لِأَنَّ لِلْوَالِدِ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وهب ولده لَهُ، وَلَيْسَ بِبَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَلَا هُوَ مُخَاطَبٌ بِزَكَاتِهِ، كَذَلِكَ السَّيِّدُ مَعَ عَبْدِهِ، وَاللَّهُ أعلم بالصواب.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute