قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا زَوَّجَ السَّيِّدُ أَمَتَهُ وَأَهَلَّ شَوَّالٌ بَعْدَ تَزْوِيجِهَا فَالْكَلَامُ فِي زَكَاةِ فِطْرِهَا يَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: فِي وُجُوبِهَا عَلَى الزَّوْجِ.
وَالثَّانِي: فِي وُجُوبِهَا عَلَى السَّيِّدِ فَأَمَّا الزَّوْجُ فَلَا تَخْلُو حَالُهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، فَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا، لَمْ يَلْزَمْهُ زَكَاةُ فِطْرِهَا، لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَلْزَمْهُ فِطْرَةُ نَفْسِهِ لِأَجْلِ رِقِّهِ فَأَوْلَى أَنْ لَا تَلْزَمُهُ فِطْرَةُ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ حُرًّا فَلَهُ حالان:
أحدها: أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُعْسِرًا فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يَلْزَمْهُ زَكَاةُ فِطْرِهَا كَمَا لَمْ تَلْزَمْهُ زَكَاةُ فِطْرِهِ، وَإِنْ كَانَ معسراً فَلَهُ حَالَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُمَكَّنًا فَإِنْ كَانَ مَمْنُوعًا مِنْهَا بِاسْتِخْدَامِ السَّيِّدِ لَهَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ زَكَاةُ فِطْرِهَا كَمَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا، وَإِنْ كَانَ مُمَكَّنًا مِنْهَا بِتَسْلِيمِ السَّيِّدِ لَهَا فَعَلَيْهِ زَكَاةُ فِطْرِهَا وَنَفَقَتِهَا.
مَسْأَلَةٌ:
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَهَا بَعْدَ أَدَائِهَا إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا وَغَيْرَهَا مِنَ الصَّدَقَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ وَالتَّطَوُّعِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا أَخْرَجَ زَكَاةَ فِطْرِهِ، وَكَانَ مُحْتَاجًا جَازَ أَنْ يَأْخُذَهَا مِمَّنْ أَخَذَهَا عَنْ فِطْرَتِهِ، وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِعَيْنِهَا لِأَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ عَوْدِ الصَّدَقَةِ إِلَى مُخْرِجِهَا كَمَا يُمْنَعُ مِنِ ابْتِيَاعِهَا، وَهَذَا خَطَأٌ لِمَعْنَيَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا قَدْ صَارَتْ مِلْكًا لِآخِذِهَا كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ فَلَمَّا جَازَ أَنْ يأخذ غيرها مِنْ مَالِهِ جَازَ أَنْ يَأْخُذَهَا بِعَيْنِهَا مِنْ مَالِهِ، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ، وَمِنْ جُمْلَةِ مَالِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَعْطَاهَا لِمَعْنًى وَهُوَ الْقُدْرَةُ وَأَخَذَهَا بِمَعْنًى غَيْرَهُ وَهُوَ الْحَاجَةُ فَلَمْ يَكُنْ وُجُوبُ الْإِعْطَاءِ مَانِعًا مِنْ جَوَازِ الْأَخْذِ كَمَا لَوْ عَادَتْ إِلَيْهِ بِإِرْثٍ.
فَصْلٌ
: فَأَمَّا السَّيِّدُ فَإِنْ أَوْجَبْنَا زَكَاةَ فِطْرِهَا عَلَى الزَّوْجِ، وهو أن يكون حرا موسراً ممكناً فَلَيْسَ عَلَى السَّيِّدِ زَكَاةُ فِطْرِهَا، لِأَنَّ الْفِطْرَةَ تجب مرة، والزوج يحملها فسقطت عن السيد، وإن لم نوجب زَكَاةَ فِطْرِهَا عَلَى الزَّوْجِ، فَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ السَّيِّدُ مَانِعًا مِنْهَا غَيْرَ مُمَكِّنٍ لِلزَّوْجِ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فَزَكَاةُ فِطْرِهَا