الْمُعَاوَضَاتِ جَازَ أَنْ يُمَلَّكَ بِهِ الذِّمِّيُّ كَالْبِيَاعَاتِ، وَلِأَنَّ مَنْ مَلَكَ بِالْبَيْعِ مَلَكَ بِالشُّفْعَةِ كَالْمُسْلِمِ، وَلِأَنَّ الْحُقُوقَ الْمَوْضُوعَةَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ فِي الْعُقُودِ يَسْتَوِي فِيهَا الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَلِأَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِالشِّرْكِ مِنْ إِزَالَةِ الْمِلْكِ اسْتَوَى فِيهِ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ قِيَاسًا عَلَى عِتْقِ الذِّمِّيِّ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} (النساء: ١٤١) فَهُوَ أَنَّ هَذَا السَّبِيلَ عَلَى مَالِ الْمُسْلِمِ لَا عَلَى الْمُسْلِمِ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ رِوَايَتِهِمْ فِي أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ لِذِمِّيٍّ عَلَى مُسْلِمٍ مَعَ وَهَانِهِ فَهُوَ أَنَّهُ يَحْمِلُ عَلَيْهِ إِذَا قَالَ بَعْدَ إِمْسَاكِهِ عَنِ الطَّلَبِ لَمْ أَعْلَمْ بِهَا لَكُمْ شَرْعًا، وَلَيْسَتْ فِي دِينِنَا شَرْعًا فَلَا شُفْعَةَ لَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَشْفَعَ فِي الْأَمَانِ، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ فَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ تَفْوِيتُ مَنْفَعَةٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ بَدَلٍ فَمُنِعَ وَالشُّفْعَةُ مَأْخُوذَةٌ بِبَدَلٍ مُمْكِنٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ
: حُكِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا شُفْعَةَ لِبَدَوِيٍّ عَلَى حَضَرِيٍّ، وَحُكِيَ عَنِ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا شُفْعَةَ لِغَائِبٍ عَلَى حَاضِرٍ وَفِيمَا مَضَى دَلِيلٌ مُقْنِعٌ، وَقَالَ أبو حنيفة لَا شُفْعَةَ فِي دُورِ مَكَّةَ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي تَحْرِيمِ بَيْعِهَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ بَيْعُهَا، وَتُسْتَحِقُّ شُفْعَتُهَا، وَدَلِيلُ بَيْعِهَا مَاضٍ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ وَالشُّفْعَةِ بناء عليه والله أعلم.
قال المزني رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَلَا شُفْعَةَ فِي عبدٍ وَلَا أمةٍ ولا دابةٍ مَا لَا يَصْلُحُ فِيهِ الْقَسْمُ هَذَا كُلُّهُ قِيَاسُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَمَعْنَاهُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ لَا شُفْعَةَ فِي مَنْقُولٍ مِنْ حَيَوَانٍ، أَوْ عُرُوضٍ. وَحُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ مُشْتَرَكٍ مِنْ حَيَوَانٍ وَغَيْرِهِ اسْتِدْلَالًا بِرِوَايَةِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الشَّرِيكُ شفيعٌ وَالشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شيءٍ " وَبِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " فِي الْعَبْدِ الشُّفْعَةُ " وَلِأَنَّهَا شَرِكَةٌ يَدْخُلُ بِهَا مَضَرَّةٌ فَوَجَبَ الشُّفْعَةُ فِيهَا كَالْأَرَضِينَ.
وَهَذَا خَطَأٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وَصُرِفَتِ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ ".
فَأَثْبَتَهَا فِي الْمُشَاعِ الَّذِي تَثْبُتُ فِيهِ الْحُدُودُ وَتُصْرَفُ عَنْهُ الطُّرُقُ بِالْقِسْمَةِ، وَهَذَا لَا يَكُونُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute