للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدها: أنها [الفاقرة] الدَّاهِيَةُ الْعُظْمَى، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ.

وَالثَّانِي: إِنَّهَا الْهَلَاكُ الْمُسْتَأْصِلُ، وَهُوَ قَوْلُ السُّدِّيِّ.

وَالثَّالِثُ: إِنَّهُ الشَّرُّ الْمُحَلَّى، وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَعَلَى أَيِّ التَّأْوِيلَاتِ كَانَ فَهُوَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي سُوءِ الْحَالِ.

وَأَمَّا الْمَسْكَنَةُ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي اشْتِقَاقِهَا فَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْتَمَسْكُنِ وَهُوَ الْخُضُوعُ، وَقَالَ آخَرُونَ هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ السُّكُونِ، لِأَنَّ الْمِسْكِينَ مَا يُسْكَنُ إِلَيْهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَحْسَنُ حَالًا، وَلِأَنَّ شَوَاهِدَ أَشْعَارِ الْعَرَبِ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، أَنْشَدَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ لِبَعْضِ الْعَرَبِ.

(هَلْ لَكَ فِي أَجْرٍ عَظِيمٍ تُؤْجَرُهْ ... تُغِيثُ مِسْكِينًا قَلِيلًا عَسْكَرُهْ)

(عَشْرُ شِيَاهٍ سَمْعُهُ وَبَصَرُهْ ... قَدْ حَدَّثَ النَّفْسَ بِمِصْرٍ يَحْضُرُهْ)

فَسَمَّاهُ مِسْكِينًا وَلَهُ عَشْرُ شِيَاهٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لِلْمِسْكِينِ مَالًا وَأَنَّهُ أَحْسَنُ حَالًا.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْله تَعَالَى: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: ١٦] فَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِسْكِينِ هَا هُنَا الْفَقِيرُ لِأَنَّهُ لَمْ يُطْلِقْ ذِكْرَهُ، وَلَكِنْ قَيَّدَهُ بِصِفَاتِ الْفُقَرَاءِ، وَقَدْ يَنْطَلِقُ اسْمُ الْمِسْكِينِ عَلَى الْفَقِيرِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَإِنَّمَا كَلَامُنَا فِي الْمِسْكِينِ الَّذِي قَدْ أُطْلِقَتْ صِفَتُهُ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ الْأُخْرَى فَهُوَ أَنَّ السَّائِلَ لَا يَكُونُ أَحْسَنَ حَالًا مِنَ الْمُتَعَفِّفِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْأَلُ فَيُحْرَمُ وَيَتَعَفَّفُ فَيُعْطَى.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ: لَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ أَنَا فَقِيرٌ، فَهُوَ إِذًا أَبَانَ بِذَلِكَ مَنْزِلَتَهُ فِي الشُّكْرِ مَعَ شِدَّةِ الضُّرِّ.

وَأَمَّا الشِّعْرُ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ أَخْذِ الْحَلُوبَةِ سَمَّاهُ فَقِيرًا حِينَ لَمْ يترك له سيد، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْفَقِيرَ أَسْوَأُ حَالًا مِنَ الْمِسْكِينِ فَقَدْ يَكُونُ الْفَقِيرُ سَائِلًا وَغَيْرَ سَائِلٍ وَقَدْ يَكُونُ الْمِسْكِينُ سَائِلًا وَغَيْرَ سَائِلٍ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ مِنَ التَّسْوِيَةِ فَظَنَّ الْمُزَنِيُّ أَنَّ قَوْلَهُ قَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ فَجَعَلَ الْجَدِيدَ أَوْلَى وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ والله أعلم.

[مسألة:]

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " فَإِنْ كَانَ رَجُلٌ جَلْدٌ يَعْلَمُ الْوَالِي أَنَّهُ صَحِيحٌ مُكْتَسِبٌ يُغْنِي عِيَالَهُ أَوْ لَا عِيَالَ لَهُ يُغْنِي نَفْسَهُ بِكَسْبِهِ لَمْ يُعْطِهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ الْمُكْتَسِبُ بِصَنْعَتِهِ قَدْرَ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ لَا يَكُونُ فَقِيرًا وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَقَالَ أبو حنيفة: لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَإِنْ كَانَ مُكْتَسِبًا حَتَّى يَمْلِكَ نِصَابًا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ أَوْ مَا يَبْلُغُ قِيمَتُهُ نِصَابًا فَجَعَلَ الْفَقْرَ مُعْتَبَرًا بِعَدَمِ النِّصَابِ وَإِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>