للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ، وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: ٦٠] فَبَدَأَ بِذَوِي الْحَاجَاتِ بِالْفُقَرَاءِ وَالْبِدَايَةُ تَكُونُ بِالْأَهَمِّ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الْفَقْرُ أَسْوَأَ حَالًا، وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ} [فاطر: ٥١] وَلَمْ يَقُلِ الْمَسَاكِينُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْفَقِيرَ أَمَسُّ حَاجَةً وَأَسْوَأُ حَالًا من المسكين، وقال تعالى: {وأما السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف: ٧٩] فَسَمَّاهُمْ مَسَاكِينَ وَلَهُمْ سَفِينَةٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ المسكين أحسن حالا.

وروى أبو زهرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ والتمرتان واللقمة واللقمتان، ولكن المسكين المتعفف أقراءوا إن شئتم " لا يسألون الناس إلحافا " فَكَانَ هَذَا نَصًّا فِي أَنَّ الْمِسْكِينَ أَحْسَنُ حَالًا.

وَرَوَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: كَادَ الْفَقْرُ أَنْ يَكُونَ كُفْرًا، وَكَادَ الْحَسَدُ أَنْ يَغْلِبَ الْقَدَرَ، فَكَانَ هَذَا نَصًّا على أن الفقير أسوأ حالا.

وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمِسْكِينَ أَحْسَنُ حَالًا.

وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أَنَّهُ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنَ الْفَقْرِ اللَّازِبِ يَعْنِي اللَّازِمَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْفَقِيرَ أَسْوَأُ حَالًا.

وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ؛ لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ، وَلَكِنَّ الْمِسْكِينَ الْأَخْلَقُ الْكَسْبِ قَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ: الْأَخْلَقُ الْكَسْبِ: الْمُحَارِفُ، وَلِأَنَّ فِي اشْتِقَاقِ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْفَقْرَ أَسْوَأُ حَالًا مِنَ الْمَسْكَنَةِ.

أَمَّا الْفَقْرُ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي اشْتِقَاقِهِ فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ مُشْتَقٌّ مِنِ انْكِسَارِ الْفَقَارِ، وَهُوَ الظَّهْرُ الَّذِي لَا تبقى مَعَهُ قُدْرَةٌ.

وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْفَاقَةِ، وَمِنْ قَوْله تَعَالَى: {تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} [القيامة: ٢٥] وَفِيهَا ثَلَاثَةُ تَأْوِيلَاتٍ:

<<  <  ج: ص:  >  >>