للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي التَّحْرِيمِ بِالطَّلَاقِ، وَبَيْنَ حَقِّ الْآدَمِيِّينَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْعِوَضِ، فَيَكُونُ فِي وجوب الحكم بينهما والتزمهما قَوْلَانِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَا عَلَى دِينَيْنِ أَحَدُهُمَا يَهُودِيٌّ، وَالْآخَرُ نَصْرَانِيٌّ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّ يَكُونَ كَالدِّينِ الْوَاحِدِ، لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ، فَيَكُونُ لُزُومُ الْحُكْمِ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا مَضَى مِنَ الْأَقَاوِيلِ الثلاثة.

والوجه الثاني: أنهما يتميزا بِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ عَنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُمَا فِي التَّسَاوِي مُتَّفِقَانِ عَلَى حُكْمِ دِينِهِمَا، فَأُقِرَّا عَلَيْهِ، وَفَى الِاخْتِلَافِ غَيْرُ مُتَّفِقَيْنِ فَوَجَبَ الْعُدُولُ بِهِمَا إِلَى دِينِ الْحَقِّ وَهُوَ الْإِسْلَامُ، قَطْعًا لِلتَّنَازُعِ في الباطل، فعلى هذا يجب على الحاكم أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا وَيُؤْخَذ جَبْرًا بِالْتِزَامِ حُكْمِهِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْحُكْمُ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَبَيْنَ ذِمِّيَّةٍ أَوْ مُعَاهَدٍ فَوَاجِبٌ عَلَى حَاكِمِنَا أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا وَيَأْخُذَهَا جَبْرًا بِالْتِزَامِ حُكْمِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْلِمُ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى) وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا) فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ أَنْصُرُهُ ظَالِمًا قَالَ (تَرُدُّهُ عَنْ ظُلْمِهِ) .

(فَصْلٌ:)

لَا يَجُوزُ لِوَلِيِّ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ مِنْ أَبٍ وَلَا غَيْرِهِ أَنْ يُطَلِّقَ عَنْهُ، وَلَا يُخَالِعَ فَإِنْ طَلَّقَ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ، وَلَمْ يَصِحَّ خُلْعُهُ.

وقال الحسن وعطاء: يجوز أن يطلق بعوض وبغير عِوَضٍ، لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ لِوَلِيِّهِ أَنْ يُمَلِّكَهُ لِلْبُضْعِ بِالنِّكَاحِ جَازَ لَهُ أَنْ يُزِيلَ مِلْكَهُ عَنْهُ بِالطَّلَاقِ كَالْمَالِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ: يَجُوزُ أَنْ يُطَلِّقَ عَنْهُ بِعِوَضٍ، وَلَا يَجُوزَ أَنْ يُطَلِّقَ عَنْهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ؛ لِأَنَّ طَلَاقَهُ بِعِوَضٍ كَالْبَيْعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْهِبَةِ، وَلِوَلِيِّهِ أَنْ يَبِيعَ مَالَهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَهَبَهُ.

وَدَلِيلُنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ) مَعْنَاهُ إِنَّمَا يَمْلِكُ الطَّلَاقَ مَنْ مَلَكَ الْأَخْذَ بِالسَّاقِ، يَعْنِي الْبُضْعَ، وَالْوَلِيُّ لَا يَمْلِكُ الْبُضْعَ، فَلَمْ يَمْلِكِ الطَّلَاقَ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَمْ يَمْلِكِ الْبُضْعَ لَمْ يَمْلِكْ بِنَفْسِهِ الطَّلَاقَ كَالْأَجْنَبِيِّ وَالْوَكِيل فِي الطَّلَاقِ لَا يَمْلِكُ بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ إِيقَاعَهُ مُوَكِّلُهُ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ بِالنِّكَاحِ فَهُوَ أَنَّ النِّكَاحَ تَمْلِيكٌ فَصَحَّ مِنَ الْوَلِيِّ، كَمَا يَصِحُّ مِنْهُ قَبُولُ الْهِبَةِ، وَالطَّلَاقُ إِزَالَةُ مِلْكٍ فَلَمْ يَصِحَّ مِنَ الْوَلِيِّ كَمَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ بَذْلُ الْهِبَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>