قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ: لَيْسَ يَخْلُو حَالُ الشَّاهِدَيْنِ عِنْدَ الْحَاكِمِ مِنْ أَصْحَابِ مَسَائِلِهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى الشَّهَادَةِ بِالتَّعْدِيلِ فَيَحْكُمُ بِالْعَدَالَةِ وَيُنَفِّذُ الْحُكْمَ بِشُهُودِ الْأَصْلِ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى الشَّهَادَةِ بِالْجَرْحِ، فَيَحْكُمُ بِهِ وَيُسْقِطُ شُهُودَ الْأَصْلِ.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَخْتَلِفَا فَيَشْهَدَ أَحَدُهُمَا بِالْعَدَالَةِ، وَيَشْهَدَ الْآخَرُ بِالْجَرْحِ، فَلَا يَحْكُمُ بِقَوْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي عَدَالَةٍ وَلَا جَرْحٍ، وَيُنَفِّذُ غَيْرَهُمَا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَقْتَصِرَ فِيمَنْ يُنَفِّذُهُ بَعْدَهُمَا عَلَى وَاحِدٍ، لِأَنَّ بِالْوَاحِدِ تكبل بَيِّنَةُ الْجَرْحِ أَوِ التَّعْدِيلِ، وَلَوِ اسْتَظْهَرَ بِإِنْفَاذِ اثْنَيْنِ كَانَ أَحْوَطَ.
فَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: أَعَادَهُمَا مَعَ غَيْرِهِمَا فَيَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُعِيدَهُمَا ثَانِيَةً لِلْبَحْثِ فَرُبَّمَا ظَهَرَ لِمَنْ عَدَّلَ جَرْحٌ يُوَافِقُ فِيهِ صَاحِبَهُ أَوْ ظَهَرَ لِمَنْ جَرَحَ تَعْدِيلٌ يُوَافِقُ فِيهِ صَاحِبَهُ وَيَسْمَعُ الْحَاكِمُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رُجُوعَهُ إِلَى مَا بَانَ لَهُ مِنْ خِلَافِ شَهَادَتِهِ الْأُولَى.
وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: أَعَادَهُمَا يَعْنِي عَنِ الشَّهَادَةِ إِلَى حَيْثُ شَاءَ، لِيَنْظُرَ مَا يَشْهَدُ بِهِ الثَّالِثُ، فَإِنْ أَتَاهُ الثَّالِثُ فَشَهِدَ عِنْدَهُ بِالتَّعْدِيلِ كَمُلَتْ بَيِّنَةُ التَّعْدِيلِ، فَحَكَمَ بِهَا وَلَمْ يُؤْثِرْ شَهَادَةَ الْخَارِجِ، وَإِنْ شَهِدَ عِنْدَهُ بِالْجَرْحِ كَمُلَتْ بَيِّنَةُ الْجَرْحِ، فَحَكَمَ بِهَا وَلَمْ يُؤْثِرْ شَهَادَةَ الْخَارِجِ، وَإِنْ شَهِدَ عِنْدَهُ بِالْجَرْحِ كَمُلَتْ بَيِّنَةُ الْجَرْحِ فَحَكَمَ بِهَا وَلَمْ يُؤْثِرْ شَهَادَةَ الْمُعَدِّلِ.
(بَيِّنَةُ الْجَرْحِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ التَّعْدِيلِ)
[(مسألة)]
: قال الشافعي: " وَإِنْ عُدِّلَ رَجُلٌ بِشَاهِدَيْنِ وَجُرِحَ بِآخَرَيْنِ كَانَ الْجَرْحُ أَوْلَى لِأَنَّ التَّعْدِيلَ عَلَى الظَّاهِرِ وَالْجَرْحَ عَلَى الْبَاطِنِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ: إِذَا شَهِدَ بِعَدَالَةِ رَجُلٍ شَاهِدَانِ وَشَهِدَ بِجَرْحِهِ شَاهِدَانِ كَانَتْ شَهَادَةُ الْجَرْحِ أَوْلَى مِنْ شَهَادَةِ التَّعْدِيلِ، لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: هُوَ مَا عَلَّلَ بِهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالتَّعْدِيلِ عَلَى الظَّاهِرِ وَبِالْجَرْحِ عَلَى الْبَاطِنِ، وَالْحُكْمَ بِالْبَاطِنِ أَقْوَى مِنَ الْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ، وَصَارَ كَمَنْ شَهِدَ لَهُ شَاهِدَانِ بِالْإِسْلَامِ، وَشَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ بِالرِّدَّةِ، كَانَتِ الشَّهَادَةُ بِالرِّدَّةِ أَوْلَى مِنَ الشَّهَادَةِ بِالْإِسْلَامِ، لِأَنَّ الْإِسْلَامَ ظَاهِرٌ، وَالرِّدَّةَ بَاطِنَةٌ، وَكَمَنَ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ بِأَلْفٍ وَشَهِدَ لَهُ شَاهِدَانِ بِالْقَضَاءِ، كَانَتْ شَهَادَةُ الْقَضَاءِ أَوْلَى، لِأَنَّهَا تَشْهَدُ بِبَاطِنٍ.
وَالْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ فِي الْجَرْحِ إِثْبَاتًا، وَفِي التَّعْدِيلِ نَفْيًا، وَالْإِثْبَاتُ أَوْلَى من النفي،