مُتَتَابِعًا، فَإِذَا اعْتَكَفَتِ الْمَرْأَةُ ثُمَّ وَجَبَ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِطَلَاقِ زَوْجِهَا، أَوْ وَفَاتِهِ لَزِمَهَا الْخُرُوجُ إِلَى مَنْزِلِهَا لِتَقْضِيَ فِيهِ عِدَّتَهَا، وَقَالَ مَالِكٌ تُكْمِلُ اعْتِكَافَهَا، ثُمَّ تَخْرُجُ لِقَضَاءِ عِدَّتِهَا، وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ الْحَقَّيْنِ إِذَا وَجَبَا قُدِّمَ أَقْوَاهُمَا، وَالْعِدَّةُ أَقْوَى مِنَ الِاعْتِكَافِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّ الْعِدَّةَ وَجَبَتِ ابْتِدَاءً مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالِاعْتِكَافُ وَجَبَ عَلَيْهَا بِإِيجَابِهَا.
وَالثَّانِي: إِنَّ الْعِدَّةَ لَا يَجُوزُ تَبْعِيضُهَا، وَالْخُرُوجُ مِنْهَا قَبْلَ إِتْمَامِهَا، وَالِاعْتِكَافُ يَجُوزُ تَبْعِيضُهُ، وَالْخُرُوجُ مِنْهُ قَبْلَ إِتْمَامِهِ لِعَارِضٍ أَوْ حَاجَةٍ، فَلِهَذَيْنِ مَا وَجَبَ تقدم الْعِدَّةِ عَلَى الِاعْتِكَافِ، فَإِذَا قَضَتْ عِدَّتَهَا عَادَتْ إِلَى اعْتِكَافِهَا فَبَنَتْ عَلَيْهِ، لِأَنَّهَا خَرَجَتِ اضْطِرَارًا لَا اخْتِيَارًا، فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا اسْتَوَى حُكْمُ الْخُرُوجِ لِلْعِدَّةِ، وَالْخُرُوجِ لِلشَّهَادَةِ فِي بُطْلَانِ الِاعْتِكَافِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَوْ جَوَازِ الْبِنَاءِ عَلَى الِاعْتِكَافِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ قِيلَ: قَدْ كَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ يُخْرِجُ فِي الْعِدَّةِ قَوْلًا مِنَ الشَّهَادَةِ وَفِي الشَّهَادَةِ قَوْلًا مِنَ الْعِدَّةِ، فَيَجْعَلُهَا عَلَى قَوْلَيْنِ، وَالصَّحِيحُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الشَّهَادَةِ هُوَ الْأَدَاءُ، فَإِذَا تَحَمَّلَهَا مُخْتَارًا كَانَ خُرُوجُهُ لِأَدَائِهَا مُخْتَارًا وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنَ النِّكَاحِ الْفُرْقَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْعِدَّةِ، وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ الْأُلْفَةُ فَلَمْ يَكُنِ اخْتِيَارُهَا لِلنِّكَاحِ اخْتِيَارًا لِوُجُوبِ الْعِدَّةِ.
والثاني: أ، بِالْمَرْأَةِ إِلَى النِّكَاحِ ضَرُورَةً، لِأَنَّهُ كَسْبُهَا، وَبِهِ تَسْتَفِيدُ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ وَلَيْسَتِ الشَّهَادَةُ كَسْبًا لِلشَّاهِدِ، فَلَمْ يَكُنْ بِهِ إِلَى تَحَمُّلِهَا ضَرُورَةٌ، وَمِثَالُ الْعِدَّةِ مِنَ الشَّهَادَةِ أَنْ يَضْطَرَّ إِلَى تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ، وَتَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ غَيْرِهِ، فَهَذَا إِذَا أخرج لِلْأَدَاءِ لَمْ يَبْطُلِ اعْتِكَافُهُ، وَمِثَالُ الشَّهَادَةِ مِنَ الْعِدَّةِ أَنْ يَجْعَلَ إِلَيْهَا طَلَاقَهَا، فَتَخْتَارُ الطَّلَاقَ، فَإِذَا خَرَجَتْ لِلْعِدَّةِ بَطَلَ اعْتِكَافُهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ
: وَإِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ فِي اعْتِكَافِهَا، خَرَجَتْ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَإِذَا طَهُرَتْ عَادَتْ إِلَى اعْتِكَافِهَا وَبَنَتْ لِأَنَّهَا مُضْطَرَّةٌ إِلَى الْخُرُوجِ مَمْنُوعَةٌ مِنَ الْمَقَامِ، فَأَمَّا الْمُسْتَحَاضَةُ فَلَيْسَ لَهَا الْخُرُوجُ مِنَ اعْتِكَافِهَا لِأَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ لَا تَمْنَعُ مِنَ الْمَقَامِ فِي الْمَسْجِدِ، وَإِنْ خَرَجَتْ بَطَلَ اعْتِكَافُهَا.
مَسْأَلَةٌ:
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا بَأْسَ أَنْ تُوضَعَ الْمَائِدَةُ فِي الْمَسْجِدِ وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ فِي الطِّشْتِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ، لَا يَمْنَعُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ أَكْلَهُ عَلَى الْمَائِدَةِ، وَغَسْلَ يَدَيْهِ فِي الطِّشْتِ، أَصْوَنُ لِلْمَسْجِدِ، وَأَحْرَى أَنْ لَا يَنَالَهُ مَا يَتَأَذَّى بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute