فَصْلٌ
: وَإِذَا أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِحَمْلِ جَارِيَتِهِ فَإِنْ وَصَلَ إِقْرَارَهُ بِمُمْكِنٍ كَقَوْلِهِ وَصَّى لِي بِرَقَبَتِهَا وَلَهُ بِحَمْلِهَا صَحَّ إِقْرَارُهُ وَلَزِمَ، وَسَوَاءٌ أَطْلَقَ الإقرار أو أرسله، فالذي نقله الْمُزَنِيُّ فِي جَامِعِهِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْحَمْلِ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَمْلِكَ مُنْفَرِدًا بِبَيْعٍ وَلَا هِبَةٍ وَلَا مِيرَاثٍ.
وَيَجِيءُ قَوْلٌ ثَانٍ مِنَ الْإِقْرَارِ لِلْحَمْلِ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْحَمْلِ صَحِيحٌ لِإِمْكَانِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْوَصِيَّةِ والله أعلم.
[مسألة]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ قَالَ هَذَا الرَّقِيقُ لَهُ إِلَّا وَاحِدًا كان للمقر أن يأخذ أيهم شاء ".
قال الماوردي: وهؤلاء العبيد له إلا واحد صَحَّ الْإِقْرَارُ وَكَانَ مَجْهُولًا لِأَنَّ الْوَاحِدَ الْمُسْتَثْنَى مجهول وجهالة الاستثناء مفضي إِلَى جَهَالَةِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَالْجَهَالَةُ فِي الْإِقْرَارِ لَا تُبْطِلُهُ لِإِمْكَانِ بَيَانِهِ مِنْ نَفْيِ الْجَهَالَةِ بِسُؤَالِهِ كَالْمُقِرِّ بِشَيْءٍ، ثُمَّ يُؤْخَذُ الْمُقِرُّ بِبَيَانِ الْعَبْدِ الَّذِي اسْتَثْنَاهُ مِنْ إِقْرَارِهِ وَأَيُّ عَبْدٍ بَيَّنَهُ قُبِلَ مِنْهُ سَوَاءٌ بَيَّنَ أَعْلَاهُ أَوْ أَدْنَاهُ.
وَمَنْ مَنَعَ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ إِذَا نفى أَكْثَرَ الْجُمْلَةِ مَنَعَ مِنْ بَيَانِ أَكْثَرِهِمْ قِيمَةً وَهَذَا خَطَأٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
ثُمَّ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى غَيْرَ دَاخِلٍ فِي الْإِقْرَارِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ بِكُلِّ حَالٍ وَلِأَنَّهُ لَوْ عَيَّنَهُ حِينَ إِقْرَارِهِ صَحَّ فَكَذَلِكَ بَعُدَ إِقْرَارُهُ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي تَعْيِينِهِ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَكْذَبَهُ أَحْلَفَهُ وَاسْتَحَقَّهُ فَلَوْ مَاتَ الْعَبِيدُ كُلُّهُمْ إِلَّا وَاحِدًا فَبَيَّنَ أَنَّ الَّذِي اسْتَثْنَاهُ هُوَ هَذَا الْوَاحِدُ فَفِي قَبُولِ ذَلِكَ مِنْهُ وَجْهَانِ: -
أَحَدُهُمَا: لَا يُقْبَلُ لفوات من مات فيصير باستثناءه رَافِعًا لِجَمِيعِ إِقْرَارِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ مَقْبُولٌ مِنْهُ لِجَوَازِ بَيَانِهِ قَبْلَ مَوْتِ مَنْ سِوَاهُ فَكَذَلِكَ بَعْدَهُ، كَمَا لَوْ عَيَّنَهُ فَمَاتَ، وَلَا يَكُونُ هَذَا اسْتِثْنَاءً رَافِعًا لِلْجُمْلَةِ كَمَا لَا يَكُونُ مَوْتُ جَمِيعِهِمْ رُجُوعًا عَنِ الْإِقْرَارِ بِهِمْ وَهَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ، وَلَكِنْ لَوْ قُتِلَ جَمِيعُهُمْ إِلَّا وَاحِدًا فَبَيَّنَ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى هَذَا الْوَاحِدَ قُبِلَ مِنْهُ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّ الْمَقْتُولَ لَمْ يَفُتْ لِاسْتِحْقَاقِ قِيمَتِهِ عَلَى الْقَاتِلِ وَهَكَذَا لَوْ قَالَ غَصَبْتُهُ هَؤُلَاءِ الْعَبِيدَ إِلَّا وَاحِدًا ثُمَّ مَاتُوا وَبَقِيَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ لَأَنَّ مَنْ مَاتَ مِنَ الْمَغْصُوبِينَ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ قَالَ غَصَبْتُ هَذِهِ الدَّارَ مِنْ فلانٍ وَمِلْكُهَا لفلانٍ فَهِيَ لفلانٍ الَّذِي أَقَرَّ أَنَّهُ غصبها منه ولا تجوز شهادته للثاني لأنه غاصبٌ ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute