للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِافْتِرَاقِهِمَا فِي الْحُرْمَةِ وَاخْتِلَافِهِمَا فِي الْحُكْمِ، فَإِنْ وَصَلَ بِالضَّرْبَةِ الْوَاحِدَةِ إِلَى مَحَلِّ التَّوْجِئَةِ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَزِدْ، وَإِنْ لَمْ تَصِلْ إِلَى مَحَلِّ التَّوْجِئَةِ ضَرَبَهُ ثَانِيَةً، فَإِنْ لَمْ تَصِلِ الثَّانِيَةُ لَمْ يَخْلُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:

إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَالِ سَيْفِهِ فَيُعْطَى غَيْرَهُ مِنَ السُّيُوفِ الصَّارِمَةِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ ضَعْفِ يَدِهِ، فَيُعْدَلُ إِلَى غَيْرِهِ مِنْ ذَوِي الْقُوَّةِ.

(فَصْلٌ)

فَإِنْ ضَرَبَهُ فَوَقَعَ السَّيْفُ فِي غَيْرِ عُنُقِهِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقَعَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ الْغَلَطُ فِي مِثْلِهِ كَضَرْبِهِ لِرِجْلِهِ أَوْ ظَهْرِهِ أَوْ بَطْنِهِ، فَيُعَزَّرُ لِتَعَدِّيهِ، وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى الْغَلَطِ فِيهِ، وَلَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ لِاسْتِحَالَةِ صِدْقِهِ، وَالْيَمِينُ تَدْخُلُ فِيمَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ وَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ فِيمَا قَطَعَ أَوْ جَرَحَ، وَلَا غُرْمَ لِأَرْشٍ وَلَا دِيَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَ إِتْلَافَ نَفْسِهِ، وَإِنْ تَعَدَّى بِالسَّيْفِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَقَعَ السَّيْفُ فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ الْغَلَطُ بِمِثْلِهِ كَأَعْلَى الْكَتِفِ وَأَسْفَلِ الرَّأْسِ سُئِلَ، فَإِنْ قَالَ: عَمَدْتُ عُزِّرَ وَمُنِعَ وَإِنْ قَالَ: أَخْطَأْتُ أُحْلِفَ عَلَى الْخَطَأِ لِإِمْكَانِهِ وَلَمْ يُعَزَّرْ وَلَمْ يُمْنَعْ مِنَ القِصَاصِ، فَإِنْ تَابَ بَعْدَ عَمْدِهِ وَأَرَادَ الْعَوْدَ إِلَى الْقِصَاصِ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ هَاهُنَا مَا يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ حَقِّهِ مِنَ الاسْتِيفَاءِ بِقَوْلِهِ: " وَأَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى أَنْ يَأْمُرَ مَنْ يُحْسِنُ ضَرْبَ الْعُنُقِ " لِيُوجِيَهُ " يُرِيدُ بِهِ الِاسْتِتَابَةَ فِيهِ.

وَقَالَ فِي كِتَابِ " الْأُمِّ " يُمَكِّنُهُ الْحَاكِمُ مِنَ الاسْتِيفَاءِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي اخْتِلَافِ هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ، فَخَرَّجَهُ الْبَصْرِيُّونَ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْنِ، وَخَرَّجَهُ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفِرَايِينِيُّ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ فَالْمَنْعُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ بَانَ لِلْحَاكِمِ أَنَّهُ لَا يُحْسِنُ الْقِصَاصَ، وَالتَّمْكِينُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ يُحْسِنُ الْقِصَاصَ.

(فَصْلٌ)

وَلَوْ كَانَ الْجَانِي قَدْ قَطَعَ يَدَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَقَتَلَهُ، فَأَرَادَ الْوَلِيُّ أَنْ يَقْتَصَّ مِنَ القَطْعِ وَالْقَتْلِ جَازَ أَنْ يَتَوَلَّى الْقَتْلَ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقَطْعَ بِنَفْسِهِ، وَإِذَا مُنِعَ مِنَ القَطْعِ وَالْقَتْلِ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ غَيْرِ اعْتِرَاضٍ إِذَا اجْتَمَعَ فِيهِ أَمْرَانِ:

الْإِمَاتَةُ، وَشُرُوطُ الِاسْتِيفَاءِ فَلَوْ بَادَرَ الْوَلِيُّ وَقَدْ عَدِمَ شُرُوطَ الِاسْتِيفَاءِ فَاقْتَصَّ بِنَفْسِهِ مِنَ النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ لَمْ يُضْمَنْ قَوَدًا وَلَا دِيَةً، لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى ما استحق ويعزره الحاكم لافتياته. وَلَوْ كَانَ الْوَلِيُّ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِيفَاءِ فَامْتَنَعَ مِنَ اسْتِيفَائِهِ بِنَفْسِهِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ وَجَازَ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهِ، فَإِنِ اسْتَنَابَ وَإِلَّا اخْتَارَ لَهُ الْحَاكِمُ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ فِي مُبَاشَرَةِ الِاسْتِيفَاءِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفِهِ النَّائِبُ إِلَّا بِأُجْرَةٍ أُعْطِيَ أُجْرَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، لِأَنَّهُ مِنَ المَصَالِحِ الْعَامَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَا يُعْطَاهُ كَانَتْ أُجْرَتُهُ فِي مَالِ المقتص منه

<<  <  ج: ص:  >  >>