للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَهٍ كَانَ يَحْتَزِمُ لِإِحْرَامِهِ. وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنِ الْمُحْرِمِ هَلْ يَشُدُّ الْهِمْيَانَ عَلَى وَسَطِهِ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ وَيَسْتَوْثِقُ مِنْ نَفَقَتِهِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ. وَلَيْسَ يُعْرَفُ لَهُمْ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، فَكَانَ إِجْمَاعًا، وَلِأَنَّ مَا مُنِعَ الْمُحْرِمُ مِنْ لِبَاسِهِ، وَجَبَتِ الْفِدْيَةُ فِيهِ، فَمَا لَمْ تَجِبِ الْفِدْيَةُ فِيهِ، لَمْ يَكُنْ مَمْنُوعًا مِنْهُ، وَأَمَّا الْخَبَرُ فَمُرْسَلٌ، وَإِنْ صَحَّ كان محمولاً على الاستحباب.

[مسألة]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَيَسْتَظِلُّ الْمُحْرِمُ فِي الْمَحْمَلِ، وَنَازِلًا فِي الْأَرْضِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَسْتَظِلَّ سَائِرًا وَنَازِلًا، وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَسْتَظِلَّ نَازِلًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَظِلَّ سَائِرًا، لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَأَى رَجُلًا يَطْلُبُ الْفَيَافِيَ وَالظِّلَّ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَضْحِ لِمَنْ أَحْرَمْتَ لَهُ أَيِ اخْرُجْ إِلَى الشَّمْسِ لِأَنَّ الضِّحَّ الشَّمْسُ، وِالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ رِوَايَةُ يَحْيَى بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أُمِّ الْحُصَيْنِ قَالَتْ: حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْتُ أُسَامَةَ وَبِلَالًا أَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالْآخَرُ يَسْتُرُهُ مِنَ الْحَرِّ حَتَى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ من الْحُمْسِ مِنْ قُرَيْشٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يُشَدِّدُونَ فِي ذَلِكَ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ، حَتَّى كَانُوا إِذَا أرَادُوا دخول دار أتوا الْجِدَارَ وَلَمْ يَدْخُلُوا الْبَابَ، وَيَرَوْنَ ذَلِكَ عِبَادَةً وَبِرًّا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَيْسَ البِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظهُورِهَا وَلَكِنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا البُيُوتَ مِنْ أبْوَابِهَا} (البقرة: ١٨٩) فَكَانَتِ الْإِبَاحَةُ فِي ذَلِكَ عَامَّةً، لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدِيمًا فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ وَفِيمَا يَلِيهِ مِنَ الْأَعْصَارِ لَمْ يَزَالُوا يُحْرِمُونَ وَهُمْ فِي الْعَمَّارِيَّاتِ وَالْقِبَابِ، لَا يَتَنَاكَرُونَ ذَلِكَ وَلَا يُنْكَرُ عَلَيْهِمْ، فَثَبَتَ أنه إجماع أهل الأعصار، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا جَازَ أَنْ يَسْتَظِلَّ بِهِ الْمُحْرِمُ نَازِلًا جَازَ أَنْ يَسْتَظِلَّ بِهِ سَائِرًا كَالْيَدَيْنِ، فَأَمَّا قَوْلُهُ: " أَضْحِ لِمَنْ أَحْرَمْتَ لَهُ "، فَفِيهِ جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ نَهَاهُ عَنْ تَغْطِيَةِ رَأْسِهِ، وَلَمْ يَنْهَهُ عَنِ الِاسْتِظْلَالِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ، لِمَا رُوِيَ أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ضُرِبَتْ لَهُ قُبَّةٌ بِبَطْنِ نمرةٍ فَدَخَلَهَا وَاسْتَظَلَّ، وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا وَافَى عَرَفَةَ أَقَامَ فِي لحف الجبل

<<  <  ج: ص:  >  >>