للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَاحِبَكَ، يَعْنِي أَنَّكَ إِنْ جَعَلْتَ هَذَا غَيْرَ الْأَوَّلِ، فَقَدْ كَمُلَتْ بِهِ الشَّهَادَةُ فَأَرْجُمُ الْمُغِيرَةَ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْأَوَّلُ فَقَدْ جَلَدْتَهُ.

وَكَانَ أَبُو بَكْرَةَ بَعْدَ ذَلِكَ يُقْبَلُ خَبَرُهُ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ.

وَأَمَّا الرَّابِعُ الَّذِي وَصَفَ مَا لَيْسَ بِزِنًا فَيُنْظَرُ فِي شَهَادَتِهِ: فَإِنْ قَالَ: إِنَّهُ زَنَا، ثُمَّ وَصَفَ مَا لَيْسَ بِزِنًا حُدَّ قَوْلًا وَاحِدًا.

وَإِنْ لَمْ يَقُلْ زَنَا، وَوَصْفَ مَا لَيْسَ بِزِنًا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ قَوْلًا وَاحِدًا.

(فَصْلٌ)

: وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّالِثُ: فِي ذِكْرِ الشُّهُودِ مَكَانَ الزِّنَا.

فَهُوَ شَرْطٌ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِي الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا، فَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَنْهُ، لِأَنَّهمْ قَدْ يَتَّفِقُونَ عَلَى زِنَاهُ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَقَدْ يَخْتَلِفُونَ فِي الْمَكَانِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، فَلِذَلِكَ وَجَبَ سُؤَالُهُمْ عَنْ مَكَانِ الزِّنَا فَإِنِ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ حُدَّ الشهود عَلَيْهِ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا فَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافُهُمْ فِي بَيْتَيْنِ فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: زَنَى فِي هَذَا الْبَيْتِ وَيَقُولُ آخَرُونَ: زَنَى فِي الْبَيْتِ الْآخَرِ، فَلَا حَدَّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَفِي حَدِّ الشُّهُودِ قَوْلَانِ:

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي زَاوِيَةِ الْبَيْتِ فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: زَنَى بِهَا فِي هَذِهِ الزَّاوِيَةِ مِنْ هَذَا الْبَيْتِ، وَيَقُولُ آخَرُونَ: زَنَى بِهَا فِي الزَّاوِيَةِ الْأُخْرَى مِنْ هَذَا الْبَيْتِ.

فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْحَدُّ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا، لِأَنَّهمَا قَدْ يَتَعَارَكَانِ فَيَنْتَقِلَانِ بِالزَّحْفِ مِنْ زَاوِيَةٍ إِلَى أُخْرَى.

وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لِعَدَمِ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْمَكَانِ كَالْبَيْتَيْنِ. وَلَا وَجْهَ لِهَذَا، لِأَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ وَلَا يُحَدُّ بِهَا.

وَعَلَى قِيَاسِ سُؤَالِهِمْ عَنْ مَكَانِ الزِّنَا، يَجِبُ سُؤَالُهُمْ عَنْ زَمَانِ الزِّنَا، لِأَنَّ اخْتِلَافَ الزَّمَانِ كَاخْتِلَافِ الْمَكَانِ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ إِنِ اتَّفَقَ وَسُقُوطِهِ إِنِ اخْتَلَفَ.

وَلَيْسَ إِطْلَاقُ هَذَا الْقَوْلِ عِنْدِي صَحِيحًا، وَالْوَاجِبُ أَنْ يُنْظَرَ: فَإِنْ صَرَّحَ بَعْضُ الشُّهُودِ بِذِكْرِ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ، وَجَبَ سُؤَالُ الْبَاقِينَ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بَعْضُهُمْ بِهِ لَمْ يُسْأَلُوا عَنْهُ؛ لِأَنَّه لَوْ وَجَبَ سُؤَالُهُمْ عَنِ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ إِذَا لَمْ يَذْكُرُوهُ، لَوَجَبَ سُؤَالُهُمْ عَنْ ثِيَابِهِ وَثِيَابِهَا، وَعَنْ لَوْنِ الْمَزْنِيِّ بِهَا مِنْ سَوَادٍ أَوْ بَيَاضٍ، وَعَنْ سِنِّهَا مِنْ صَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ، وَعَنْ قَدِّهَا مِنْ طُولٍ أَوْ قِصَرٍ، لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمْ فِيهِ موجب لاختلاف الشهادة، فيتناها إِلَى مَا لَا يُحْصَى، وَهَذَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي السُّؤَالِ، وَكَذَلِكَ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، إِلَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>