للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا بِالتَّسْوِيَةِ فِي النِّدَاءِ بَيْنَ ذَوِي الصِّيَانَةِ وَغَيْرِهِمْ لِأَنَّ الصِّيَانَةَ قَدْ خرج منها بزوره.

[(فصل: في الأثر المترتب على توبة شاهد الزور)]

وَالْحُكْمُ الرَّابِعُ: أَنْ يُقْضَى بِفِسْقِهِ فَلَا تُسْمَعُ لَهُ شَهَادَةٌ مِنْ بَعْدِ مَا لَمْ يَتُبْ مِنْهَا.

فَإِنْ تَابَ أَمْسَكَ عَنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ حَتَّى يَسْتَمِرَّ عَلَيْهَا وَيَتَحَقَّقَ صِدْقُ مُعْتَقَدِهِ فِيهَا فَحِينَئِذٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ.

وَفِي النِّدَاءِ بَعْدَ تَوْبَتِهِ بِقَبُولِ شَهَادَتِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يُنَادَى بِهَا كَمَا نُودِيَ بِفِسْقِهِ.

وَالثَّانِي: لَا يُنَادَى عَلَيْهِ بِالتَّوْبَةِ وَإِنْ نُودِيَ عَلَيْهِ بِالْفِسْقِ لِأَنَّ ظُهُورَ التَّوْبَةِ بِأَفْعَالِهِ أَقْوَى، وَلِأَنَّ فِي النِّدَاءِ بِذْلَةً.

وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي إِذَا لَمْ يَثِقْ بِسَلَامَةِ الشُّهُودِ فِي هَذِهِ الْحَالِ أَنْ يُقَدِّمَ وَعْظَهُمْ وَتَخْوِيفَهُمْ وَتَحْذِيرَهُمْ فَقَدْ كَانَ شُرَيْحٌ إِذَا حَضَرَهُ شَاهِدَانِ لِلشَّهَادَةِ، قَالَ لَهُمَا: " حَضَرْتُمَا وَلَمْ أَسْتَدْعِكُمَا، وَإِنِ انْصَرَفْتُمَا لَمْ أَمْنَعْكُمَا، وَإِنْ قُلْتُمَا سَمِعَتُ مِنْكُمَا، فَاتَّقِيَا اللَّهَ فَإِنِّي مُتَّقٍ بِكُمَا ".

(حُكْمُ القاضي بعلمه)

[(مسألة)]

: قال المزني رَحِمَهُ اللَّهُ " اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الْخَصْمِ يُقِرُّ عِنْدَ الْقَاضِي فَقَالَ فِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَشَاهِدٍ وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ وَالْآخَرُ أَنَّهُ يَحْكُمُ بِهِ (قَالَ الْمُزَنِيُّ) وَقَطَعَ بِأَنَّ سَمَاعَهُ الْإِقْرَارَ مِنْهُ أَثْبَتُ مِنَ الشَّهَادَةِ وَهَكَذَا قَالَ فِي كِتَابِ الرِّسَالَةِ أَقْضِي عَلَيْهِ بِعِلْمِي وَهُوَ أَقْوَى مِنْ شَاهِدَيْنِ أَوْ بِشَاهِدَيْنِ وَبِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ شَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَبِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَهُوَ أَقْوَى مِنَ النُّكُوَلِ وَرَدَّ الْيَمِينَ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ.

وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِهِ بِعِلْمِهِ فِي الْحُقُوقِ وَالْحُدُودِ عَلَى مَذَاهِبَ شَتَّى.

فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَحْكُمُ بِمَا عَلِمَهُ فِي زَمَانِ وِلَايَتِهِ وَفِي مَوَاضِعِ عَمَلِهِ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، وَلَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا بِمَا عَلِمَهُ قَبْلَ وِلَايَتِهِ، وَلَا بِمَا عَلِمَهُ فِي غَيْرِ مَوَاضِعِ عَمَلِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>