وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أدى وَيَرِثُ بِهِ ويرق منه بقدر ما بقي ولا يرث به.
وَقَالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنْ أَدَّى قَدْرَ قِيمَتِهِ عَتَقَ وَوَرِثَ وَإِلَّا فَهُوَ عَبْدٌ لَا يَرِثُ وَقَالَ أبو حنيفة وَمَالِكٌ: هُوَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ فَإِنْ مَاتَ لَهُ مَيِّتٌ لَمْ يَرِثْهُ.
قَالَ: وَإِنْ مَاتَ أَدَّى مِنْ مَالِهِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ وَجَعَلَ الْبَاقِي لِوَرَثَتِهِ إِلَّا أَنَّ أبا حنيفة يَجْعَلُ ذَلِكَ لِمَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ وَمَنْ كَانَ حُرًّا.
وَقَالَ مَالِكٌ: يَكُونُ لِمَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ دُونَ مَنْ كَانَ حُرًّا.
وَالدَّلِيلُ عَلَى جَمِيعِهِمْ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ درهم؛ وَلِأَنَّ مَنْ مَنَعَهُ الرِّقُّ مِنْ أَنْ يَرِثَ منعه الرق أَنْ يُوَرَّثَ كَالْعَبْدِ.
فَصْلٌ:
فَأَمَّا الْمُعْتَقُ بَعْضُهُ فَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ هَلْ يَرِثُ أَمْ لَا؟ فَحُكِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ يَرِثُ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ منه ويحجب به، قَالَ الْمُزَنِيُّ وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ وَحُكِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يَرِثُ كُلَّ الْمَالِ كَالْأَحْرَارِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ، وَحُكِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رحمة الله عليهما أَنَّهُ لَا يَرِثُ بِحَالٍ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ؛ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ تُكْمَلْ حُرِّيَّتُهُ فَأَحْكَامُ الرِّقِّ عَلَيْهِ جَارِيَةٌ، فَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَ حُرٌّ وَتَرَكَ ابْنًا حُرًّا وَابْنًا نَصْفُهُ حُرٌّ فَعَلَى قَوْلِ الْمُزَنِيِّ الْمَالُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّهُ مَقْسُومٌ عَلَى حُرِّيَّةٍ وَنِصْفٍ فَيَكُونُ لِلْحُرِّ ثُلُثَاهُ وَلِلَّذِي نِصْفُهُ حُرٌّ ثُلُثُهُ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَعَلَى قَوْلِ أبي يوسف يَكُونُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي حُكْمِ الْحُرِّيَّةِ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ الْمَالُ لِلْحُرِّ وَحْدَهُ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ وَزَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَلَوْ تَرَكَ الْحُرُّ ابْنًا نِصْفُهُ حُرٌّ وَعَمًّا حُرًّا، على قَوْلِ الْمُزَنِيِّ لِلِابْنِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِلْعَمِّ، وَعَلَى قَوْلِ أبي يوسف الْمَالُ كُلُّهُ لِلِابْنِ وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْعَمِّ، وَلَوْ تَرَكَ الْحُرُّ ابْنَيْنِ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حرا وَعَمًّا حُرًّا فَعَلَى قَوْلِ أبي يوسف الْمَالُ لِلِابْنَيْنِ، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ الْمَالُ لِلْعَمِّ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي قِيَاسِ قَوْلِ الْمُزَنِيِّ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ لَهُمَا النِّصْفَ؛ لِأَنَّ لَهُمَا نِصْفَ الحرية والنصف الآخر للعم.
والوجه الثاني: أن يَجْمَعَ حُرِّيَّتَهُمَا فَيَكُونُ حُرِّيَّةُ ابْنٍ تَامٍّ فَيَكُونُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا وَلَا شَيْءَ لِلْعَمِّ، فَلَوْ تَرَكَ الْحُرُّ ابْنًا وَبِنْتًا نَصِفُهَا حُرٌّ، فَعَلَى قَوْلِ أبي يوسف الْمَالُ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْحُرِّ من الابنين، وفيه على قَوْلِ الْمُزَنِيِّ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ لِلِابْنِ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ الْمَالِ، وَلِلْبِنْتِ السُّدُسُ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْبِنْتَ لَوْ كَانَتْ حُرَّةً لَكَانَ لِلِابْنِ الثُّلُثَانِ، وَلَهَا الثلث، ولو كانت أمة لكان لِلِابْنِ جَمِيعُ الْمَالِ، وَلَا شَيْءَ لَهَا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهَا بِنِصْفِ الْحُرِّيَّةِ النِّصْفُ مِمَّا تَسْتَحِقُّهُ بِجَمِيعِ الْحُرِّيَّةِ، وَذَلِكَ السُّدُسُ وَيَرْجِعُ السُّدُسُ الْآخَرُ عَلَى الِابْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute