[(باب من له الكفارة بالصيام من كتابين)]
[(مسألة:)]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: (مَنْ كَانَ لَهُ مَسْكَنٌ وَخَادِمٌ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمَا وَلَا مَا يَشْتَرِي بِهِ مَمْلُوكًا كَانَ لَهُ أَنْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْعِتْقَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ عَلَى التَّرْتِيبِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْدَلَ عَنْهُ إِلَى الصِّيَامِ إِلَّا مَعَ الْعَجْزِ عَنْهُ وَيَلْزَمُهُ الْعِتْقُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بَعْدَ وُجُودِ كِفَايَتِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُ حَالُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: -
أَحَدُهَا: أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى الرَّقَبَةِ وَلَا عَلَى قِيمَتِهَا فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصُومَ بِنَصِّ الْكِتَابِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الرَّقَبَةِ أَوْ عَلَى قِيمَتِهَا وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَيْهَا فَعَلَيْهِ الْعِتْقُ ولا يجزيه الصَّوْمُ إِجْمَاعًا.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الرَّقَبَةِ أَوْ عَلَى قِيمَتِهَا وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهَا فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ تَكْفِيرِهِ بِالصِّيَامِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُكَفِّرَ بِالصِّيَامِ سَوَاءً وَجَدَ الرَّقَبَةَ أَوْ قِيمَتَهَا وَلَا يَلْزَمُهُ الْعِتْقُ إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا إِلَيْهِمَا.
وَالثَّانِي: وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ سَوَاءً وَجَدَ الرَّقَبَةَ أَوْ قِيمَتَهَا وَعَلَيْهِ الْعِتْقُ وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا.
وَالثَّالِثُ: وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ مَعَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِمَا يُكَفِّرُ بِالْعِتْقِ إِنْ كان واحداً لِلرَّقَبَةِ وَبِالصَّوْمِ إِنْ كَانَ وَاجِدًا لِلْقِيمَةِ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شهرين متتابعين} وَهَذَا وَاجِدٌ لِلرَّقَبَةِ فَلَمْ يُجْزِهِ الصَّوْمُ قَالَ: وَلِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِرَقَبَةٍ تُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الِانْتِقَالُ عَنْهَا إِلَى الصَّوْمِ كَمَا لَوْ وَجَدَهَا فَاضِلَةً عَنْ كِفَايَتِهِ.
وَاسْتَدَلَّ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ بِأَنَّ الْحُقُوقَ ضَرْبَانِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ الْآدَمِيِّينَ ثُمَّ كَانَتْ حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ تُسْتَوْفَى مِنْ أَصْلِ الْمَالِ وَلَا تَقِفُ عَلَى الْفَاضِلِ عن الكفاية فحق
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute