للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: يَرْجِعُ بِعَيْنِهَا لِأَنَّهَا عَيْنُ مَا اقْتَرَضَ فَلَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَعْدِلَ عَنْهَا إِلَى الْبَدَلِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ اسْتِرْجَاعُ عَيْنِهَا إِلَّا بِرِضَا الْمُقْتَرِضِ وَيَرْجِعُ إِلَى بَدَلِهَا لِسُقُوطِ ذَلِكَ بِخُرُوجِهَا عَنْ يَدِهِ وَعَوْدِهَا بِاسْتِحْدَاثِ مِلْكٍ آخَرَ. فَلَوْ أَنَّ الْمُقْتَرِضَ رَهَنَ مَا اقْتَرَضَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُقْرِضِ أَنْ يَرْجِعَ بِعَيْنِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ وَيَرْجِعَ عَلَيْهِ بِبَدَلِهِ. فَلَوْ فَكَّهُ مِنَ الرَّهْنِ قَبْلَ الرُّجُوعِ بِبَدَلِهِ كَانَ لِلْمُقْرِضِ أَنْ يَرْجِعَ بِعَيْنِهِ دُونَ بَدَلِهِ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ عَلَى مِلْكِ الْمُقْتَرِضِ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ بِالرَّهْنِ.

فَلَوْ كَانَ الْمُقْتَرِضُ قَدْ أَجَّرَهُ كَانَ لِلْمُقْرِضِ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ، لِأَنَّهُ مَعَ الْإِجَارَةِ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ، وَالْإِجَارَةُ عَلَى حَالِهَا لَا تَبْطُلُ بِرُجُوعِ الْمُقْرِضِ، وَالْأُجْرَةِ لِلْمُقْتَرِضِ لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ فِي مِلْكِهِ، فَإِنْ أَرَادَ الْمُقْرِضُ أَنْ يَرْجِعَ بِبَدَلِهِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ لِأَنَّ إجارته بعض لا يلزمه الرضا به.

فلو كان القرض في يد المقترض فحدث بِهِ عَيْبٌ عِنْدَهُ: فَإِنْ كَانَ الْقَرْضُ مِمَّا يَسْتَحِقُّ الرُّجُوعَ بِمِثْلِهِ كَانَ الْمُقْرِضُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ بِعَيْنِ مَا أَقْرَضَ مَعِيبًا وَلَا أَرْشَ لَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ بِمِثْلِهِ سَلِيمًا، وخالف الْمَغْصُوبُ الَّذِي لَا يَجُوزُ الِانْتِقَالُ عَنْ عَيْنِهِ مَعَ وُجُودِهِ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ وَالْقَرْضُ يُزِيلُهُ، وَإِنْ كَانَ الْقَرْضُ مِمَّا يَسْتَحِقُّ الرُّجُوعَ بِقِيمَتِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالْقَرْضِ مَعِيبًا وَبِأَرْشِ عَيْبِهِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ مَا لَهُ مِثْلٌ فَلَيْسَ لِلْقِيمَةِ فِيهِ مَدْخَلٌ فَكَذَلِكَ الأرش، وما لا مثل له لما وجبت قِيمَتُهُ دَخَلَهُ الْأَرْشُ.

فَصْلٌ:

وَلِصِحَّةِ الْقَرْضِ فِيمَا يجوز قرضه ثلاثة شُرُوطٍ مُعْتَبَرَةٌ.

فَأَمَّا الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: فَهُوَ إِطْلَاقُ الْقَرْضِ حَالًا مِنْ غَيْرِ أَجَلٍ مَشْرُوطٍ فِيهِ، فَإِنْ شَرَطَ فِيهِ أَجَلًا وَقَالَ: قَدْ أَقْرَضْتُكَ مِائَةَ دِرْهَمٍ إِلَى شَهْرٍ لَمْ يَجُزْ.

وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ الْقَرْضُ مُؤَجَّلًا وَيُلْزَمُ فِيهِ الْأَجَلُ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُقْرِضِ الْمُطَالَبَةُ بِهِ قَبْلَ أَجَلِهِ.

وَحُكِيَ نَحْوُهُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ.

وَكَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَغْلَطُ فَيَذْهَبُ إِلَى جَوَازِهِ وَيَتَنَاوَلُ كَلَامًا لِلشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ السَّلَفِ أَنَّهُ قَالَ: وَإِنْ وَجَدَ الْحَاكِمُ مَنْ يُسَلِّفُهُ الْمَالَ حَالًا لَمْ يَجْعَلْهُ أَمَانَةً.

وَأنَّ دَلِيلَ هَذَا الْكَلَامِ جَوَازُ الْقَرْضِ مُؤَجَّلًا. وَهَذَا تَأْوِيلٌ فَاسِدٌ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ أَجَازَ ذَلِكَ لِلْحَاكِمِ، وَإِنْ كَانَ يَرَى تَأْجِيلَ الْقَرْضِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجِيزُهُ لِأَنَّ أَمْوَالَ الْيَتَامَى لَا يَجْرِي نَظَرُ الْحَاكِمِ فِيهَا مَجْرَى نَظَرِ الْمَالِكِينَ. وَإِنْ كَانَ مَذْهَبُهُ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي حَظْرِ تَأْجِيلِ الْقَرْضِ. وَاسْتَدَلَّ مَنْ إلى ذهب جَوَازِ تَأْجِيلِهِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ. وَلِأَنَّ حُقُوقَ الْمُرَاضَاةِ إِذَا صَحَّ ثُبُوتُهَا فِي الذِّمَّةِ مُعَجَّلًا صَحَّ ثُبُوتُهَا فِي الذِّمَّةِ مُؤَجَّلًا كَالْأَثْمَانِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>