للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِيَكُونَ لَهُ شِبْرٌ مِنْ عَرْضِ الْبِنَاءِ، وَالْعَرِصَةِ مِنَ الطُّولِ كُلِّهِ، لَمْ يُجَبْ إِلَيْهَا جَبْرًا، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا تَرَاضِيًا وَاخْتِيَارًا، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ مَا يَصِيرُ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ نِصْفِ الْعَرْضِ مُضِرٌّ بِهِ وَبِصَاحِبِهِ.

لِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ هَدْمَهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ إِلَّا بِهَدْمِ مَا لِشَرِيكِهِ أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ وَإِنْ أَرَادَ وَضْعَ شَيْءٍ عَلَيْهِ، وَقَعَ الثِّقَلُ عَلَى مَا لِشَرِيكِهِ فَأَضَرَّ بِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا جَازَ ذَلِكَ بِتَرَاضِيهِمَا؟ قِيلَ إِنْ تَرَاضَيَا بِهَدْمِهِ فِي الْحَالِ وَالِاقْتِسَامِ بِآلَتِهِ جَازَ.

وَإِنْ تَرَاضَيَا بِقِسْمَتِهِ بِنَاءً قَائِمًا، وَتَحْدِيدَ مَا لكل واحد منهما متصلا لم يجز وإن لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ دُخُولِ الضَّرَرِ فِيمَا بَعْدُ.

وَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ يَدْعُو إِلَى قِسْمَتِهِ طُولًا، لِيَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ طُولًا فِي الْعَرْضِ كُلِّهِ جَازَتْ بِالتَّرَاضِي.

وَفِي جَوَازِ الْإِجْبَارِ عَلَيْهَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، لَا يُجَابُ إِلَيْهَا وَلَا يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى هَدْمِ النِّصْفِ الَّذِي صَارَ لَهُ إِلَّا بِهَدْمِ شَيْءٍ مِنْ نِصْفِ صَاحِبِهِ فَصَارَتْ ضَرَرًا عَلَيْهِمَا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ يُجْبِرُهُ عَلَى هَذِهِ الْقِسْمَةِ بِالْقُرْعَةِ، لِأَنَّ الضَّرَرَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي هَدْمِ حِصَّتِهِ يَسِيرٌ فَلَمْ يَمْنَعْ مِنَ الْقِسْمَةِ. وَلِأَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ وَلَهُ إِزَالَةُ الضَّرَرِ بِقَطْعِ الْحَائِطِ بَيْنَهُمَا بِالْمِنْشَارِ، فَلَا يَنْهَدِمُ مِنْ حِصَّةِ الآخر شيء.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ هَدَمَاهُ ثُمَّ اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثُهُ وَلِلْآخَرِ ثُلُثَاهُ عَلَى أَنْ يَحْمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا شَاءَ عَلَيْهِ إِذَا بَنَاهُ فَالصُّلْحُ فَاسِدٌ وَإِنْ شَاءَا أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا قُسِّمَتْ أَرْضُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ. إِذَا هَدَمَ الشَّرِيكَانِ حَائِطًا بَيْنَهُمَا، ثُمَّ اصْطَلَحَا عِنْدَ بِنَائِهِ بِمَالِهِمَا أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثُهُ، وَلِلْآخَرِ ثُلُثَاهُ، عَلَى أَنْ يَحْمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ مَا شَاءَ مِنْ أَجْذَاعٍ وَغَيْرِهَا، فَهَذَا صُلْحٌ بَاطِلٌ لِثَلَاثَةِ مَعَانٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ بَذَلَ بِصُلْحِهِ عَلَى الثُّلُثِ بَعْدِ مِلْكِهِ النِّصْفَ سُدْسًا بِغَيْرِ عِوَضٍ. وَبَذْلُ الْمِلْكِ فِي الصُّلْحِ إِذَا كَانَ عَبَثًا بِغَيْرِ عِوَضٍ لَا يَصِحُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>