الْوَجْهَيْنِ: فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتِ، فَقَالَتْ: قَدْ شِئْتُ لَمْ تُطَلَّقْ؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَ وُقُوعَ طَلَاقِهَا بِشَرْطَيْنِ هُمَا مَشِيئَةُ اللَّهِ وَمَشِيئَتُهَا، وَمَشِيئَةُ اللَّهِ لَا تُعْلَمُ وَإِنْ عُلِمَتْ مَشِيئَتُهَا، فَلِذَلِكَ لَمْ يَقَعِ الطَّلَاقُ.
فَلَوْ قال: أنت طالق إن شاء الله زَيْدٌ، وَكَانَ زَيْدٌ مَجْنُونًا فَقَالَ؛ قَدْ شِئْتُ لَمْ تُطَلَّقْ؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَا مَشِيئَةَ لَهُ، وَلَوْ كَانَ سَكْرَانَ فَشَاءَ طُلِّقَتْ؛ لِثُبُوتِ الْأَحْكَامِ بِأَقْوَالِهِ، وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا آخَرَ: أَنَّهَا لَا تُطَلَّقُ لِأَنَّ سُكْرَهُ يُوجِبُ تَغْلِيظَ الْحُكْمِ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا يُوجِبُ تَغْلِيظَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ زَيْدٌ وَكَانَ أَخْرَسَ فَشَاءَ بِالْإِشَارَةِ طُلِّقَتْ، وَلَوْ كَانَ نَاطِقًا فَخُرِسَ فَشَاءَ بِالْإِشَارَةِ، قَالَ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ لَمْ تطلق؛ لأنه مَشِيئَتَهُ وَقْتَ الطَّلَاقِ كَانَتْ نُطْقًا فَلَمْ تَثْبُتْ بالإشارة وهذا عندي غير صحيح؛ لأنه إِشَارَةَ الْأَخْرَسِ تَقُومُ مَقَامَ نُطْقِهِ مَعَ الْعَجْزِ وَقْتَ الْبَيَانِ وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا تَقَدَّمَ الْأَمْرَ، أَنْ لَوْ كَانَ أَخْرَسَ فِي وَقْتِ الطَّلَاقِ نَاطِقًا فِي وَقْتِ الْبَيَانِ، لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ إِلَّا بِالنُّطْقِ دُونَ الْإِشَارَةِ وَإِنْ صَحَّتْ مِنْهُ فِي وَقْتِ الطَّلَاقِ بِالْإِشَارَةِ كَذَلِكَ إِذَا كَانَ ناطقاً فخرس، فو قَالَ؛ أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ الْحِمَارُ، فَهَذَا مِنَ الشُّرُوطِ الْمُسْتَحِيلَةِ لِأَنَّهُ لَا مَشِيئَةَ لِلْحِمَارِ، فَجَرَى مَجْرَى قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ صَعِدْتِ السَّمَاءَ، فَيَكُونُ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فِيهِ عَلَى مَا مَضَى مِنَ الْوَجْهَيْنِ.
(فَصْلٌ:)
وَإِذَا قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ حَفْصَةَ وَعَمْرَةَ: أَنْتُمَا طَالِقَتَانِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعًا إِلَيْهِمَا، فَلَمْ تُطَلَّقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا إِلَّا أَنْ يَعْزِلَهَا فِي اسْتِثْنَائِهِ، وَلَوْ قَالَ: حَفْصَةُ طَالِقٌ وَعَمْرَةُ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنْ أَرَادَ بِالِاسْتِثْنَاءِ عَمْرَةَ الْأَخِيرَةَ، طُلِّقَتْ حَفْصَةُ وَلَمْ تُطَلَّقْ عَمْرَةُ، وَإِنْ أَرَادَهُمَا مَعًا لَمْ تُطَلَّقَا جَمِيعًا، وَإِنْ أَطْلَقَ الِاسْتِثْنَاءَ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا، كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعًا إِلَيْهِمَا فَلَمْ تُطَلَّقَا؛ لِرُجُوعِ الِاسْتِثْنَاءِ وَالْعَطْفِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إِلَى جَمِيعِ الْمَذْكُورِ، وَعَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ يَرُدُّهُمْ إِلَى أَقْرَبِ الْمَذْكُورِ فَتُطَلَّقُ حَفْصَةُ عِنْدَهُ لِخُرُوجِهَا مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ، وَلَا تُطَلَّقُ عَمْرَةُ لِدُخُولِهَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ، فَلَوْ قَالَ أَرَدْتُ بِالِاسْتِثْنَاءِ حَفْصَةَ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ حُمِلَ عَلَى إِرَادَتِهِ، وَطُلِّقَتْ عَمْرَةُ الْأَخِيرَةُ دُونَ حَفْصَةَ الْأُولَى، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تُطَلَّقَانِ مَعًا.
وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، رَجَعَ الِاسْتِثْنَاءُ إِذَا أَطْلَقَهُ إِلَى الطَّلَاقَيْنِ فَلَمْ يَقَعَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَرْجِعُ إِلَى الثَّانِي وَيَقَعُ الْأَوَّلُ.
وَإِذَا وَصَلَ طَلَاقَهُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرَ مُرِيدٍ بِأَوَّلِ كَلَامِ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْمُتَّصِلَ يُعْتَبَرُ حُكْمُ أَوَّلِهُ بِآخِرِهِ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا حُكْمَ لِلِاسْتِثْنَاءِ حَتَّى يَنْوِيَهُ عِنْدَ تَلَفُّظِهِ بِالطَّلَاقِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ أَوَّلِ كَلَامِهِ بَطَلَ وَهَذَا فَاسِدٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute