للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قِيلَ: فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْقُلَّتَيْنِ نَجِسَةٌ وَالنَّجَاسَةُ إِذَا اجْتَمَعَتْ مَعَ النَّجَاسَةِ كَانَ أَغْلَظَ لِحُكْمِهَا لِكَثْرَتِهَا، فَكَيْفَ صَارَتْ إِحْدَى النَّجَاسَتَيْنِ مُطَهِّرَةً لِلْأُخْرَى، وَالنَّجَاسَةُ بِاجْتِمَاعِهَا أَكْثَرَ.

قِيلَ: إِنَّمَا كَانَا نَجِسَيْنِ مَعَ الِافْتِرَاقِ؛ لِأَنَّ قِلَّةَ الْمَاءِ تَضْعُفُ عن احتمال النجاسة، وإذا أجمعا كَثُرَ فَقَوِيَ عَلَى احْتِمَالِ النَّجَاسَةِ وَصَارَتْ لِكَثْرَةِ الْمَاءِ مُسْتَهْلَكَةً عُفِيَ عَنْهَا فَلَوْ فُرِّقَا بَعْدَ اجْتِمَاعِهِمَا، وَالنَّجَاسَةُ مَائِعَةٌ كَانَا طَاهِرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ طَاهِرٌ فَلَمْ يَنْجَسْ بِالتَّفْرِيقِ.

(فَصْلٌ)

: فَلَوْ كَانَ معه قلتان من ماء إِلَّا رِطْلًا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ فَهُوَ نَجِسٌ، فَلَوْ تَمَّمَهُ بِرِطْلٍ مِنْ بَوْلٍ أَوْ خَمْرٍ حَتَّى صَارَ قُلَّتَيْنِ وَلَيْسَ فِيهِمَا تَغْيِيرٌ، فَهُوَ نَجِسٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَقُلَّتَيْنِ مِنْ مَاءٍ فَيُحْتَمَلُ دَفْعُ النَّجَاسَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ قُلَّتَانِ مَاءً وَنَجَاسَةً، وَهَكَذَا لَوْ تَمَّمَ بِرِطْلٍ مِنْ خَمْرٍ أَوْ لَبَنٍ لَمْ يَطْهُرْ، وَكَانَ نَجِسًا لِتَقْصِيرِ الْمَاءِ عَنِ الْقُلَّتَيْنِ، وَلَكِنْ لَوْ تَمَّمَ بِرِطْلٍ مِنْ مَاءٍ نَجِسٍ كَانَ طَاهِرًا لِتَمَامِ الْمَاءِ قُلَّتَيْنِ.

(فَصْلٌ)

: فَلَوْ وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ فِي مَاءٍ شُكَّ فِي قَدْرِهِ هَلْ هُوَ قُلَّتَانِ أَوْ أَقَلُّ؟ فَهُوَ عَلَى الْقِلَّةِ مَا لَمْ يَعْلَمْ كَثْرَتَهُ وَيَكُونُ نَجِسًا، فَلَوْ عَلِمَهُ قُلَّتَيْنِ، ثُمَّ رَأَى كَلْبًا قَدْ وَلَغَ فِيهِ، وَشَكَّ هَلْ شَرِبَ مِنْهُ حَتَّى نَقَصَ عَنِ الْقُلَّتَيْنِ أَمْ لَا؟ فَهُوَ عَلَى الْكَثْرَةِ مَا لَمْ يَعْلَمْ نَقْصَهُ وَيَكُونُ طَاهِرًا.

(فَصْلٌ)

: وَإِنْ كَانَ مَعَهُ قُلَّتَانِ مِنْ مَاءٍ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ فَتَغَيَّرَ بِهَا ثُمَّ فَرَّقَ فَزَالَ التَّغْيِيرُ بَعْدَ التَّفْرِيقِ فَكِلَا الْمَاءَيْنِ نَجِسٌ، وَلَوْ زَالَ التَّغْيِيرُ قَبْلَ التَّفْرِيقِ فَكِلَا الْمَاءَيْنِ طَاهِرٌ.

(فَصْلٌ)

: وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ هَذَا الْمَاءَ نَجِسٌ لَمْ يُحْكَمْ بِتَنْجِيسِهِ دُونَ أَنْ يُخْبِرَا عَنِ السَّبَبِ الَّذِي صَارَ به نجساً؛ لاختلاف الناس فيما ينجس به الْمَاءَ وَلَا يُنَجِّسُ أَلَا تَرَى أَنَّ أبا حنيفة يَجْعَلُ سُؤْرَ الْحِمَارِ نَجِسًا مِثَالُهُ الشَّهَادَةُ بِالْجَرْحِ وَالتَّفْسِيقِ لَا تَسْمَعُ إِلَّا بِذِكْرِ مَا صَارَ بِهِ مَجْرُوحًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ)

: قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " فَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ مَا لَا يَخْتَلِطُ بِهِ مِثْلُ الْعَنْبَرِ أَوِ الْعُودِ أَوِ الدُّهْنِ الْطَيِّبِ، فَلَا بَأْسَ بِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مَخُوضًا بِهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، لَمَّا ذكر الشافعي حكم النجاسة إذا وقعت في الْمَاءِ ذَكَرَ بَعْدَهُ حُكْمَ الْأَشْيَاءِ الطَّاهِرَةِ إِذَا وَقَعَتْ وَجُمْلَةُ مَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْأَشْيَاءُ الطَّاهِرَةُ ضَرْبَانِ: مَائِعٌ وَجَامِدٌ، فَالْمَائِعُ ضَرْبَانِ: ضَرْبٌ يَتَمَيَّزُ عَنِ الْمَاءِ كَالدُّهْنِ فَالْمَاءُ مُطَهِّرٌ سَوَاءٌ تَغَيَّرَ أَوْ لَمْ يَتَغَيَّرْ؛ لِأَنَّ الدُّهْنَ لَا يختلط بالماء وإنما يجاوره وتغيير المجاورة لا يغير حُكْمًا أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ مَاءً فِي إِنَاءٍ جَاوَرَتْهُ مَيْتَةٌ فَتَغَيَّرَ بِرَائِحَتِهَا لَمْ يُنَجَّسْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>