أَنْ لَا يُفْسِدَ الْحَجَّ، قِيلَ لَيْسَ تَحْرِيمُ الْوَطْءِ لِأَجْلِ بَقَاءِ الرَّمْيِ وَإِنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ بَقَاءِ الْإِحْرَامِ وَبَقَاءُ الْإِحْرَامِ يُؤْذِنُ بِفَسَادِ الْعِبَادَةِ كالصلاة، والصيام.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَطَأَ بَعْدَ إِحْلَالِهِ الْأَوَّلِ وَقَبْلَ الثَّانِي: فَحَجُّهُ صَحِيحٌ مُجْزِئٌ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: قَدْ فَسَدَ بِوَطْئِهِ مَا بَقِيَ مِنْ حَجِّهِ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ عُمْرَةٍ مِنَ التَّنْعِيمِ، لِأَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ حَجِّهِ طَوَافٌ وَسَعْيٌ وَحِلَاقٌ وَذَلِكَ عُمْرَةٌ، فَلِذَلِكَ لَزِمَهُ قَضَاءُ عُمْرَةٍ.
وَدَلِيلُنَا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إِذَا وَطِئَ بَعْدَ التَحَلُّلِ وَرُوِيَ بَعْدَ الرَّمْيِ فَحَجُّهُ تَامٌّ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَلَيْسَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ، وَلِأَنَّهُ فِعْلٌ لَمْ يَفْسَدْ بِهِ الْإِحْرَامُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ بِهِ تَجْدِيدُ إِحْرَامٍ، كَالِاسْتِمْتَاعِ دُونَ الْفَرْجِ وَسَائِرِ الْمُحْرِمَاتِ، وَلِأَنَّ الْأُصُولَ مَوْضُوعَةٌ عَلَى أَنَّ مَا أَفْسَدَ بَعْضَ العبادة أفسد جمعيها، وَمَا لَمْ يُفْسِدْ جَمِيعَهَا لَمْ يُفْسَدْ شَيْءٌ مِنْهَا، اسْتِشْهَادًا بِالصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ، فَلَمَّا كَانَ هَذَا الْوَطْءُ غَيْرَ مُفْسِدٍ لِمَا مَضَى وَجَبَ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُفْسِدٍ لِمَا بَقِيَ، وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ الْوَطْءُ بَعْدَ الْإِحْلَالِ الْأَوَّلِ مُفْسِدًا لِبَاقِي الْحَجِّ دُونَ مَاضِيهِ لَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْوَطْءُ بَعْدَ الْوُقُوفِ مُفْسِدًا لِبَاقِي الْحَجِّ دُونَ مَاضِيهِ فَلَمَّا كَانَ هَذَا فَاسِدًا بَعْدَ الْوُقُوفِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فَاسِدًا بَعْدَ الْإِحْلَالِ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ حَجَّهُ صَحِيحٌ، وَأَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فَالْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ وَاجِبَةٌ، وَفِيهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: بَدَنَةٌ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلِاخْتِصَاصِ الْوَطْءِ المحظور بما في ما سِوَاهُ فِي التَّكْفِيرِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: عَلَيْهِ شَاةٌ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ لَا يُفْسِدُ الْإِحْرَامَ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُوجِبَ الْفِدْيَةَ كَالْوَطْءِ، دُونَ الْفَرْجِ، وَأَمَّا مَا يَقَعُ بِهِ الْإِحْلَالُ الْأَوَّلُ وَالْإِحْلَالُ الثَّانِي فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ فَلَمْ يُحْتَجْ إِلَى إِعَادَتِهِ، فَأَمَّا إِذَا وَطِئَ بَعْدَ إِحْلَالِهِ الثَّانِي فَحَجُّهُ مُجْزِئٌ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إِجْمَاعًا.
فَصْلٌ
: فَأَمَا الْوَاطِئُ نَاسِيًا فَفِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَالْوَاطِئِ عَامِدًا فَيَكُونُ عَلَى مَا مَضَى مِنْ إِفْسَادِ الْحَجِّ وَوُجُوبِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ، وَوَجْهُهُ: أَنَّهُ سَبَبٌ يَجِبُ بِهِ الْقَضَاءُ فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ فِيهِ الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ كَالْفَوَاتِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: قَالَهُ فِي الْجَدِيدِ وَهُوَ الصَّحِيحُ: لَا حُكْمَ لَهُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " عُفِيَ عَنْ أَمَتِي الْخَطَأُ وَالنَسْيَانُ "، وَلِأَنَّهُ وَطْءٌ يَجِبُ فِي عَمْدِهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ فَوَجَبَ أَنْ يَفْتَرِقَ حُكْمُ عَمْدِهِ وَسَهْوِهِ كَالْوَطْءِ فِي الصَّوْمِ وَلِأَنَّهُ اسْتِمْتَاعُ ناسٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ تَأْثِيرٌ كَالطِّيبِ، وَخَالَفَ الْفَوَاتَ، لِأَنَّهُ تَرْكٌ فاستوى حكم عمده وسهوه.
مسألة: قال الشافعي رضي الله عنه: " وسواء وطء مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ لِأَنَّهُ فسادٌ واحدٌ ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute