للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُقْتَدُونَ} [الزخرف: ٤٣] . وَالْمُرَادُ بِالْآيَةِ الْمِلَّةُ، فَدَلَّ عَلَى إِلْحَاقِهِ بِمِلَّةِ الْأَبِ دُونَ الْأُمِّ.

وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ} [يس: ٦] فَدَلَّ عَلَى إِضَافَةِ الْأَوْلَادِ إِلَى الْآبَاءِ، دُونَ الْأُمَّهَاتِ.

وَدَلِيلُنَا قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور: ٢١] وَهُمْ ذُرِّيَّةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، فَوَجَبَ أَنْ يُتْبَعُوا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَبَوَيْنِ. وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " أَوْلَادُ الْمُسْلِمِينَ مَعَهُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَهُمْ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ". فَدَلَّ عَلَى إِسْلَامِهِمْ وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ حَقٌّ، وَالْكُفْرَ بَاطِلٌ، وَاتِّبَاعُ الْحَقِّ أَوْلَى مِنِ اتِّبَاعِ الْبَاطِلِ، وَلِأَنَّ تَعَارُضَ الْبَيِّنَتَيْنِ يُوجِبُ تَغْلِيبَ أَقْوَاهُمَا وَأَعْلَاهُمَا، وَالْإِسْلَامُ أَقْوَى، وَأَعْلَى مِنَ الْكُفْرِ، فَوَجَبَ أَنْ يَغْلِبَ الْإِسْلَامُ عَلَى حُكْمِ الْكُفْرِ لِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا} [التوبة: ٤٠] وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الْإِسْلَامُ يَعْلُو، وَلَا يُعْلَى ".

وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَيُّ ابْنِ أَمَةٍ أَسْلَمَ فِدْيَتُهُ دِيَةُ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ.

وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ مُسْلِمًا لَوْ تَزَوَّجَ كَافِرَةً كَانَ الْوَلَدُ مُسْلِمًا، كَذَلِكَ إِذَا أَسْلَمَ بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَهَا وَفِيهِ انْفِصَالٌ عَنْ دَلِيلِهِ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف: ٤٣] فَإِنَّهُ قَالَهُ عَلَى وَجْهِ الذَّمِّ لَهُمْ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ فِي عُدُولِهِمْ عَنْهُ. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْله تَعَالَى: {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ} [يس: ٦] فَهُوَ أَنَّ الْإِنْذَارَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ، وَإِنْ عَبَّرَ عَنْهُ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ التَّذْكِيرِ.

(فَصْلٌ)

: وَأَمَّا إِذَا أَسْلَمَ الْجَدُّ، أَوِ الْجَدَّةُ فَعَنْهُ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٌ:

أَحَدُهَا: إنَّهُ يَكُونُ إِسْلَامًا لَهُمْ مَعَ بَقَاءِ الْأَبَوَيْنِ، وَعَدَمِهِمَا، لِأَنَّهُمَا مَحْجُوبَانِ، بِمَنْ دُونَهُمَا لِلْبَعْضِيَّةِ، الَّتِي بَيْنَهُمَا كَالْأَبَوَيْنِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَكُونُ إِسْلَامًا لَهُمْ مَعَ بَقَاءِ الْأَبَوَيْنِ وَعَدَمِهِمَا لِأَنَّهُمَا مَحْجُوبَانِ بِمَنْ دُونَهُمَا.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ إِسْلَامًا لَهُمْ مَعَ عَدَمِ الْأَبَوَيْنِ، وَلَا يَكُونُ إِسْلَامًا لَهُمْ مَعَ وُجُودِ الْأَبَوَيْنِ، لِأَنَّهُمْ بِحُكْمِ الْأَقْرَبِ أَخَصُّ مِنْهُمْ بِحُكْمِ الْأَبْعَدِ، إِذَا كَانَ بَاقِيًا، وَالْمَوْجُودِ دُونَ الْمَفْقُودِ إِذَا كَانَ مَيِّتًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>