ودليلنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مَنْ وَلِيِّهَا، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ إِجْبَارُهَا لِأَنَّهُ يَصِيرُ أَحَقَّ بِهَا مِنْ نفسها، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ أَمْرٌ " فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ فِي الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ صِفَةٍ خرج بها الولي عن كمال الولاية قبل البلوغ قِيَاسًا عَلَى عِتْقِ الْأَمَةِ لَمَّا كَانَ حُدُوثُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ مَانِعًا مِنْ إِجْبَارِهَا عَلَى النِّكَاحِ كَانَ حُدُوثُهُ قبل البلوغ مانعاً من إجبارها وعليه، ولأنها حرة سليمة ذهبت عدتها بِجِمَاعٍ فَلَمْ يَجُزْ إِجْبَارُهَا عَلَى النِّكَاحِ كَالْكَبِيرَةِ.
فَأَمَّا الْآيَةُ إِنْ حُمِلَتْ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ فَمَخْصُوصَةٌ بِمَا ذَكَرْنَا.
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْبِكْرِ وَالْغُلَامَ اعْتِبَارًا بِالْوِلَايَةِ عَلَى الْمَالِ فَلَا يَجُوزُ اعْتِبَارُ الولاية بِالْوِلَايَةِ عَلَى النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْمَالِ أَوْسَعُ لِثُبُوتِهَا لِلْوَصِيِّ الَّذِي لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى النِّكَاحِ، ثُمَّ الْمَعْنَى فِي الْبِكْرِ وَالْغُلَامِ أَنَّهُ لما لم يثبت لهما خيار جاز إجبارهم وَلَيْسَ كَالثَّيِّبِ لِثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهَا عندهم وَأَمَّا استدلالهم بمنفعة الاستخدام فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الِاسْتِمْتَاعِ أَنْ مُدَّةَ الِاسْتِخْدَامِ مقررة بِأَمَدٍ يَنْقَضِي يَصِلُ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْعَقْدِ بَعْدَ بُلُوغِهَا وَمُدَّةُ الِاسْتِمْتَاعِ مُؤَيَّدَةٌ وَهِيَ لَا تَصِلُ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْعَقْدِ بَعْدَ بُلُوغِهَا فافترقا.
فَصْلٌ
فَأَمَّا الثَّيِّبُ الْمَجْنُونَةُ فَلَهَا حَالَتَانِ: صَغِيرَةٌ، وَكَبِيرَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً جَازَ لِأَبِيهَا إِجْبَارُهَا عَلَى النِّكَاحِ لِلْإِيَاسِ مِنْ صِحَّةِ إِذْنِهَا إِلَّا أن يكون مِمَّنْ تُجَنُّ فِي زَمَانٍ وَتُفِيقُ فِي زَمَانٍ فَلَا يَجُوزُ إِجْبَارُهَا لِإِمْكَانِ اسْتِئْذَانِهَا فِي زَمَانِ إفاقتها وإنما يجوز إجبارها إذا طبق الْجُنُونُ بِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِهَذِهِ أَبٌ زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ، وَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مِنْ عَصَبَتِهَا تَزْوِيجُهَا؛ لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِوِلَايَةِ الْمَالِ الثَّابِتَةِ بَعْدَ الأب والجد وللحاكم دُونَ الْعَصَبَةِ، فَإِنْ كَانَتِ الثَّيِّبُ الْمَجْنُونَةُ صَغِيرَةً لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ إِجْبَارُهَا مِنْ حَاكِمٍ وَلَا عَصَبَةٍ، وَهَلْ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ إِجْبَارُهَا إذا كان ما يؤس الْبُرْءُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَهُ إِجْبَارُهَا قِيَاسًا عَلَى مَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَإِنَّهُ رُبَّمَا كَانَ لها الزَّوْجِ عَفَافٌ وَشِفَاءٌ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ لَهُ إِجْبَارُهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ وَإِنْ جَازَ لَهُ إِجْبَارُهَا بعد البلوغ لأن برئها قبل البلوغ إرجاء وَالْإِيَاسُ مِنْهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَقْوَى فَمُنِعَ مِنْ إِجْبَارِهَا لِيَقَعَ الْإِيَاسُ مِنْ بُرْئِهَا.
فَصْلٌ
فَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ حُكْمِ الثَّيِّبِ وَأَنَّهَا مُفَارَقَةٌ لِلْبِكْرِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْبِكْرَ تجبر والثيب لا تجبر.
والثاني: أَنَّ إِذَنَ الْبِكْرِ الصَّمْتُ، وَإِذْنَ الثَّيِّبِ النُّطْقُ وجب أن نصف الثَّيِّبَ بِمَا تَمْتَازُ بِهِ عَنِ الْبِكْرِ. وَالثَّيِّبُ: هِيَ الَّتِي زَالَتْ عُذْرَتُهَا، وَزَوَالُ الْعُذْرَةِ عَلَى ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يزول بوطء.
والثاني: أن تزول بظفرة أَوْ جِنَايَةٍ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ تَزُولَ خِلْقَةً وَهِيَ أَنَّ تُخْلَقَ لَا عُذْرَةَ لَهَا.