وَالْوَجْهُ الثَّانِي: بَعْدَ مَسَافَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِذَا جُعِلَ حَدًّا لِلتَّغْرِيبِ.
(فَصْلٌ)
وَالْإِمَامُ فِي تَغْرِيبِهِ بين أمرين:
أحدهما: أن يعين على الْبَلَدَ الَّذِي يُغَرَّبُ إِلَيْهِ فَيَلْزَمُهُ الْمُقَامُ فِيهِ، ولا يجوز الْخُرُوجُ مِنْهُ، وَيَصِيرُ لَهُ كَالْحَبْسِ الَّذِي لَا يجوز أن يخرج منه.
والثاني: أن لا يعين له على الْبَلَدَ فَيَجُوزُ لَهُ إِذَا تَجَاوَزَ مَسَافَةَ التَّغْرِيبِ أن يقيم في أي بلد من الْبِلَادِ شَاءَ، وَيَنْتَقِلُ إِلَى أَيِّ بَلَدٍ شَاءَ، فَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ التَّغْرِيبِ نَظَرَ: فَإِنْ كَانَ البلد الذي غرب إليه معيناً لم يَعُدْ إِلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ، فَإِنْ عَادَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ عُزِّرَ كَمَا يُعَزَّرُ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْحَبْسِ بِغَيْرِ إِذْنٍ.
وَإِنْ كَانَ الْبَلَدُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ جَازَ أَنْ يَعُودَ بِإِذْنٍ وَغَيْرِ إِذْنٍ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَعُودَ إِلَّا بِإِذْنٍ، فَإِنْ عَادَ إِلَى وَطَنِهِ قَبْلَ السَّنَةِ عُزِّرَ وَأُخْرِجَ، وَبَنَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَبْلَ مُقَدَّمِهِ وَلَمْ تُحْسَبْ مُدَّةُ مُقَامِهِ فِي وَطَنِهِ.
وَلَوْ غَرَّبَ الْمَحْدُودُ نَفْسَهُ أَجْزَأَهُ وَلَوْ جَلَدَ نفسه لم يجزه.
والفرق بينهما: أن الحد حَقٌّ يُسْتَوْفَى مِنْهُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مُسْتَوْفِيهِ وَالتَّغْرِيبُ انْتِقَالٌ إِلَى مَكَانٍ قَدْ وُجِدَ فِيهِ.
(فَصْلٌ)
وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُثْبِتَ فِي دِيوَانِهِ أَوَّلَ زَمَانِ تَغْرِيبِهِ لِيَعْلَمَ بِإِثْبَاتِهِ اسْتِيفَاءَ حَدِّهِ، فَإِنْ لَمْ يُثْبِتْهُ وَادَّعَى الْمَحْدُودُ انْقِضَاءَ السَّنَةِ وَعَدِمَتِ الْبَيِّنَةُ فِيهِ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ المحدود؛ لأنه من حقوق الله الْمُسْتَرْعَاةِ، وَيَحْلِفُ اسْتِظْهَارًا وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ فِي زَمَانِ التَّغْرِيبِ مَا كَانَ يَلْزَمُهُ مِنْ نَفَقَاتِ زَوْجَاتِهِ وَأَوْلَادِهِ، وَتَنْقَضِي بِهِ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ وَالْعُنَّةِ وَإِنْ زَنَا فِي مُدَّةِ التَّغْرِيبِ حُدَّ وَغُرِّبَ عَنْ مَوْضِعِهِ عَامًا إِلَى مَسَافَةِ التَّغْرِيبِ وَإِلَى جِهَةٍ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَطَنِهِ مِثْلُ مَسَافَةِ التغريب فصاعداً، وتكون بَقِيَّةُ التَّغْرِيبِ الْأَوَّلِ دَاخِلًا فِي التَّغْرِيبِ الثَّانِي؛ لأن حدود الزنا تتداخل فِي الِاسْتِيفَاءِ.
(فَصْلٌ)
وَإِنْ كَانَ الزَّانِي عَبْدًا أَوْ أَمَةً فَلَا رَجْمَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أُحْصِنَا بِنِكَاحٍ؛ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْحُرِّيَّةَ شَرْطٌ فِي الْإِحْصَانِ وَهِيَ مَعْدُومَةٌ فِيهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ حَدَّهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ حَدِّ الْحُرِّ وَالرَّجْمُ لَا ينتصف، وإذا سَقَطَ الرَّجْمُ عَنْهُ فَحَدُّهُ خَمْسُونَ جَلْدَةً وَهِيَ نصف حد الحر لقول الله تَعَالَى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: ٢٥] .
فأما التغريب ففيه ثلاثة أقاويل: