الذبح من القفا
[(مسألة:)]
قال الشافعي: " وَلَوْ ذَبَحَهَا مِنْ قَفَاهَا فَإِنْ تَحَرَّكَتْ بَعْدَ قَطْعِ الرَّأْسِ أُكِلَتْ وَإِلَّا لَمْ تُؤْكَلْ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: ذَبُحُ الشَّاةِ مِنَ الْقَفَا مَكْرُوهٌ وَإِنَّمَا كَرِهْنَاهُ لِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا: لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْذِيبِهَا وَالثَّانِي: لِمَا يُخَافُ مِنْ مَوْتِهَا قَبْلَ الْوُصُولِ إِلَى ذَكَاتِهَا فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَخْلُ حَالُهَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُعْلَمَ مَوْتُهَا بِقَطْعِ الْقَفَا قَبْلَ وُصُولِ السِّكِّينِ إِلَى قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ فَتَكُونُ مَيْتَةً لَا تُؤْكَلُ وَكَذَلِكَ لَوْ بَقِيَتْ فِيهَا عِنْدَ وُصُولِ السِّكِّينِ إِلَى قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ حَيَاةٌ غَيْرُ مُسْتَقِرَّةٍ لِحَيَاةِ الْمَذْبُوحِ لَمْ تُؤْكَلْ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الذَّكَاةَ لَا تُسْتَبَاحُ إِلَّا بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَقَطْعُ قَفَاهَا يَجْرِي فِي فَوَاتِ نَفْسِهَا مَجْرَى كَسْرِ صُلْبِهَا وَبَقْرِ بَطْنِهَا وَلَا تَحْصُلُ بِهِ ذكاة وإن وحي.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: إِنْ قَطَعَ حُلْقُومُهَا وَمَرِيئَهَا فَهَذِهِ ذَكِيَّةٌ تُؤْكَلُ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هِيَ مَيْتَةٌ لَا تُؤْكَلُ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَمْدًا لَمْ تُؤْكَلْ وَإِنْ فَعَلَهُ سَهْوًا أُكِلَتِ احْتِجَاجًا بِأَنَّ قَطْعَ الْقَفَا مُوجٍ وَالذَّكَاةَ بَعْدَ التَّوْجِيَةِ لَا تَصِحُّ كَالَّتِي أَخْرَجَ السَّبُعُ حَشَوْتَهَا.
وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّ مَا كَانَتْ حَيَاتُهُ مُسْتَقِرَّةً وَإِنْ لَمْ تَدُمْ صَحَّتْ ذَكَاتُهُ كَالْمَقْطُوعَةِ الْأَطْرَافِ وَلِأَنَّهُ لَوِ انْتَهَى بِهَا النَّزْعِ إِلَى حَدِّ الْإِيَاسِ حَلَّتْ ذكاتها مع استقرار الحياة فلذلك قَطَعَ الْقَفَا وَخَالَفَ قَطْعَ الْحَشْوَةِ لِأَنَّ بَقَاءَ الْحَيَاةِ مَعَهَا مُسْتَقِرَّةً كَحَيَاةِ الْمَذْبُوحِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يُشْكِلَ حَالُهَا عِنْدَ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ هَلْ كَانَتْ حَيَاتُهَا مُسْتَقِرَّةً أَوْ غَيْرَ مُسْتَقِرَّةٍ فَفِي إِبَاحَةِ أَكْلِهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ إِنَّهَا غَيْرُ مَأْكُولَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحَظْرُ حَتَّى تُعْلَمَ الْإِبَاحَةُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّهَا مَأْكُولَةٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الحياة حتى يعلم فواتها.
[(مسألة:)]
قال الشافعي: " وإذا أَوْجَبَهَا أُضْحِيَّةً وَهُوَ أَنْ يَقُولُ هَذِهِ أضحيةٌ وَلَيْسَ شِرَاؤُهَا وَالنِّيَّةُ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا إِيجَابًا لَهَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا اشْتَرَى الْأُضْحِيَّةَ نَاوِيًا بِهَا أُضْحِيَّةً لَمْ تَصِرْ أُضْحِيَّةً بِالنِّيَّةِ مَعَ الشِّرَاءِ حَتَّى يُوجِبَهَا بَعْدَ الشراء.