فَإِذَا صَحَّ بِهَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ وُجُوبُ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ الْحَجْرُ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْحَجْرَ قَدْ ثَبَتَ عَلَيْهِ بِنَفْسِ الرِّدَّةِ، وَلَا يُعْتَبَرُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ وَهَذَا مَذْهَبُ مَنْ تَأَوَّلَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ مِلْكَهُ خَارِجٌ عَنْهُ، أَيْ عَنْ تَصَرُّفِهِ، فَأَوْقَعَ بِالرِّدَّةِ عَلَيْهِ حَجْرًا تَعْلِيلًا بِحَجْرِ الْمَرَضِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِهِمْ، أَنَّ الْحَجْرَ، لَا يَقَعُ عَلَيْهِ إِلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ تَعْلِيلًا بِحَجْرِ السَّفَهِ.
فَصْلٌ
فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَحْكَامِ مِلْكِهِ، وَأَحْكَامِ تَصَرُّفِهِ كَانَ حُكْمُ تَدْبِيرِهِ وَعُقُودُهُ مَحْمُولَةٌ عَلَيْهَا فَإِنْ فَعَلَهَا بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ كَانَتْ بَاطِلَةً مَرْدُودَةً، فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ عِتْقٌ، وَلَا تَدْبِيرٌ وَلَا كِتَابَةٌ، وَلَا هِبَةٌ، وَلَا بَيْعٌ، لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ مَرْدُودٌ وَإِنْ فَعَلَهَا قَبْلَ ثُبُوتِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ كَانَ تَصَرُّفُهُ مَحْمُولًا عَلَى الْأَقَاوِيلِ الثَّلَاثَةِ. فَإِنْ قِيلَ بِبَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ بَعْدَ تَصَرُّفِهِ، وَصَحَّ عِتْقُهُ، وَتَدْبِيرُهُ وَكِتَابَتُهُ، وَهِبَتُهُ، وَبَيْعُهُ، وَكَانَ فِي جَمِيعِهَا كَحَالِهِ قَبْلَ رِدَّتِهِ وَيُعْتَقُ الْمُدَبَّر بِقَتْلِهِ عَلَى الرِّدَّةِ، كَمَا يُعْتَقُ بِمَوْتِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَإِنْ قِيلَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ رُدَّ جَمِيعُ تَصَرُّفِهِ، وَأُبْطِلَ جَمِيعُهُ فِيمَا الْتَزَمَهُ بِاخْتِيَارِهِ مِنْ عِتْقٍ، وَتَدْبِيرٍ، وَكِتَابَةٍ، وَهِبَةٍ، وَبِيعٍ، وَفِي إِبْطَالِ مَا لَزِمَهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ مِنْ نَفَقَةِ أَوْلَادِهِ وَأُرُوشِ جِنَايَاتِهِ وَجْهَانِ مَضَيَا.
فَإِنْ قِيلَ بِأَنَّ مِلْكَهُ مَوْقُوفٌ مُرَاعًى كَانَ تَدْبِيرُهُ وَعِتْقُهُ مَوْقُوفًا. فَإِنْ قُتِلَ بِالرِّدَّةِ، بَطَلَ وَإِنْ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ صَحَّ فَأَمَّا بَيْعُهُ، وَكِتَابَتُهُ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وَقْفِهَا عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: بَاطِلَةٌ، لِأَنَّهَا عُقُودُ مُعَاوَضَاتٍ لَا يَصِحُّ عَقْدُهَا عَلَى الْوَقْفِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: صَحِيحَةٌ، لِأَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْفَسْخِ دُونَ الْإِمْضَاءِ كَوَقْفِهَا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ.
وَأَمَّا نَفَقَةُ الْأَوْلَادِ وَأُرُوشُ الْجِنَايَاتِ فَتَنُصُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَلَا تُوقَفُ وَجْهًا وَاحِدًا فِي النَّفَقَةِ، وَعَلَى احْتِمَالٍ فِي أَرْشِ الْجِنَايَةِ لِوُجُودِ الْأَرْشِ بِفِعْلِهِ، وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ.
[مسألة]
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ مَتَى قَدِمَ فُلَانٌ فَأَنْتَ حُرٌّ فَقَدِمَ وَالسَّيِّدُ صَحِيحٌ أَوْ مَرِيضٌ عَتَقَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ - إِذَا قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ أَوْ مُدَبَّرهِ إِذَا قَدِمَ زِيدٌ فَأَنْتَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute