يُصَلُّوا إِلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ لَطَالَ اتِّصَالُ الصُّفُوفِ، وَلَخَرَجَ عَنْ حَدِّ الْمُتَعَارَفِ، وَخَفِيَ عَلَيْهِ اتِّبَاعُ الْإِمَامِ، لِأَنَّ الْإِمَامَ إِنْ كَبَّرَ عَلَى الْعَادَةِ لَمْ يَصِلِ التَّكْبِيرُ إِلَى آخِرِهِمْ إِلَّا بَعْدَ تَكْبِيرِهِ لِرُكْنٍ ثَانٍ، فَيَلْتَبِسُ عَلَيْهِمُ التَّكْبِيرُ، وَتَخْتَلِطُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ، وَإِنْ كَبَّرَ وَانْتَظَرَ بُلُوغَ التَّكْبِيرِ إِلَى آخِرِهِمْ طَالَ الزَّمَانُ، وَتَفَاحَشَ الِانْتِظَارُ، فَدَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَى إِقَامَتِهَا فِي مَوَاضِعَ. فَزَعَمَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّ الْجَوِينَ غَيْرُ الْبَصْرَةِ، وَأَنَّهَا كَانَتْ فِي الْأَصْلِ دَسْكَرَةً وَأُضِيفَتْ إِلَى الْبَصْرَةِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ جَازَ إِقَامَةُ الْجُمْعَةِ بِهَا وجها واحدا والله أعلم.
[(مسألة)]
: قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَأَيُّهَا جُمِّعَ فِيهِ فَبَدَأَ بِهَا بَعْدَ الزَّوَالِ فَهِيَ الْجُمُعَةُ وَمَا بَعْدَهَا فَإِنَّمَا هِيَ ظُهْرٌ يصلونها أربعا لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ومن بعده صلوا في مسجده وحول المدينة مساجد لا نعلم أحدا منهم جمع إلا فيه ولو جاز في مسجدين لجاز في مساجد العشائر ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ.
إِذَا أُقِيمَتْ جمعتان في مصر واحدا قَدْ مُنِعَ أَهْلُهُ مِنْ إِقَامَةِ جُمْعَتَيْنِ فِيهِ فلهما حالان:
أحدهما: أن تتفق أَوْصَافِهِمَا. وَالثَّانِي: أَنْ تَخْتَلِفَ.
فَإِنِ اتَّفَقَتْ أَوْصَافُهُمَا فَكَانَا سَوَاءً فِي الْكَثْرَةِ، وَإِذْنِ السُّلْطَانِ، أَوْ حُضُورِ نَائِبٍ عَنْهُ، أَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُمُ السُّلْطَانُ، وَلَا حَضَرَ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ، فَهُمَا حِينَئِذٍ فِي الْأَوْصَافِ سَوَاءٌ، فَيُعْتَبَرُ السَّبْقُ، وَلَا يَخْلُو حَالُهُمَا فِي السَّبْقِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَا فِيهِ سَوَاءً.
وَالثَّانِي: أَنْ يَسْبِقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَيَتَعَيَّنَ
وَالثَّالِثُ: أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ أَحَدَهُمْ قَدْ سَبَقَ وَقَدْ أُشْكِلَ
وَالرَّابِعُ: أَنْ لَا يُعْلَمَ هَلْ صَلَّيَا مَعًا أَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ أَسْبَقَ.
فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ: أَنْ يَسْتَوِيَا فَلَا يَسْبِقُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ: فَقَدْ بَطَلَتِ الْجُمْعَتَانِ مَعًا، وَعَلَيْهِمْ إِقَامَةُ الْجُمْعَةِ قَوْلًا وَاحِدًا لَا يَخْتَلِفُ، وَإِنَّمَا بَطَلَتَا مَعًا لِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ إِقَامَتُهَا وَلَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ أَبْطَلْنَاهُمَا مَعًا، كَمَنْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي حَالِهِ.
وَالْقِسْمِ الثَّانِي: أَنْ يَسْبِقَ أَحَدُهُمَا وَيَتَعَيَّنَ فَالْجُمْعَةُ لِلسَّابِقِ، وَيُعِيدُ الْآخِرُ ظُهْرًا أَرْبَعًا، لِأَنَّ انْعِقَادَ الْجُمْعَةِ لِلسَّابِقِ يَمْنَعُ مِنَ انْعِقَادِهَا لِلثَّانِي، كَالْوَلِيَّيْنِ إِذَا أَنْكَحَا وَسَبَقَ بِالْعَقْدِ أَحَدُهُمَا.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَسْبِقَ أَحَدُهُمَا وَيُشْكِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا فَعَلَيْهِمَا جَمِيعًا إِعَادَةُ الصَّلَاةِ،