للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا قول من زعم أن ما أطلع مِنْ ثِمَارِ النَّخْلِ بَعْدَ الْعَقْدِ لِلْبَائِعِ تَبَعًا لِمَا أُطْلِعَ مِنْهَا وَأُبِّرَ.

وَالْوَجْهِ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُنْتَظَرُ بِهِ كَمَالُ جِذَاذِهِ بَلْ يَكُونُ لِلْبَائِعِ مَا ظَهَرَ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يُسْتَكْمَلْ، وَيُؤْمَرْ بِجِذَاذِهِ وَإِنْ لَمْ يُسْتَكْمَلْ، وَيَكُونُ الْأَصْلُ الْبَاقِي وَمَا اسْتَخْلَفَ طُلُوعَهُ مِنْ بَعْدِ الْعَقْدِ تَبَعًا لِلْأَصْلِ. وَهَذَا قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَا أَطْلَعَ مِنْ ثِمَارِ النَّخْلِ مِنْ بَعْدِ الْعَقْدِ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يَكُونُ تَبَعًا لِمَا أطلع فيه وأبر.

[مسألة:]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَمَعْقُولٌ إِذَا كَانَتِ الثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ أَنَّ عَلَى الْمُشْتَرِي تَرْكَهَا فِي شَجَرِهَا إِلَى أَنْ تَبْلُغَ الْجِدَادَ أَوِ الْقِطَافَ أَوِ اللَّقَاطَ فِي الشَّجَرِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا صَارَتْ ثَمَرَةُ النَّخْلَةِ لِلْبَائِعِ فَلَا يَخْلُو حَالُهَا مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: - إِمَّا أَنْ تَصِيرَ لَهُ بِالتَّأْبِيرِ أو بالشرط قبل التأبير فإن صارت له بالشرط والاستثناء قبل التأبير فَعَلَى الْبَائِعِ قَطْعُهَا فِي الْحَالِ وَلَا يُلْزِمُ الْمُشْتَرِي تَرَكَهَا عَلَى نَخْلِهِ إِلَّا بِاخْتِيَارِهِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْبَائِعِ لَهَا إِنَّمَا يَصِحُّ عَلَى شَرْطِ الْقَطْعِ لِمَا ذَكَرْنَا وَهَذَا الشَّرْطُ يُوجِبُ عَلَيْهِ الْتِزَامُ مُوجِبِهِ.

وَإِنْ صَارَتِ الثَّمَرَةُ لَهُ بِالتَّأْبِيرِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَلِلْبَائِعِ تَرْكُهَا عَلَى نَخْلِهَا وَشَجَرِهَا إِلَى أَوَانِ جِذَاذِهَا وَلِقَاطِهَا وَلَا يَلْزَمُ قَطْعُهَا وَلَا لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ تَرْكِهَا.

وَقَالَ أبو حنيفة: عَلَى الْبَائِعِ قَطْعُهَا وَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي تَرْكُهَا احْتِجَاجًا بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ مَا ابْتَاعَهُ، فَهُوَ يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ النَّخْلِ كَمَا يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ الدَّارِ، فَلَمَّا كَانَ لَوِ ابْتَاعَ دَارًا وَجَبَ عَلَى الْبَائِعِ نَقْلُ مَا فِيهَا مِنْ مَتَاعِهِ لِيُسَلِّمَ المشتري منفعة داره لذلك لَوِ ابْتَاعَ نَخْلًا وَجَبَ عَلَى الْبَائِعِ جِذَاذُ مَا عَلَيْهَا مِنْ ثِمَارِهِ لِيُسَلِّمَ الْمُشْتَرِيَ مَنْفَعَةَ نَخْلِهِ ثُمَّ أَخْذُ الثَّمَرَةِ أَوْلَى لِأَنَّ تَرْكَهَا مُضِرٌّ وَتَرَكُ الْمَتَاعِ غَيْرُ مُضِرٍّ. وَلِأَنَّهُ لَوِ اسْتَحَقَّ الْبَائِعُ تَرْكَ الثَّمَرَةِ لَكَانَ قَدِ اسْتَثْنَى مَنْفَعَةَ مَا بَاعَهُ كَمَنْ بَاعَ دَارًا وَاشْتَرَطَ سُكْنَاهَا فَلَمَّا كَانَ هَذَا فَاسِدًا كَانَ مَا أَدَّى إِلَيْهِ فَاسِدًا.

وَدَلِيلُنَا: هُوَ أَنَّ الْمَبِيعَ إِذَا كَانَ مَشْغُولًا بِمِلْكِ الْبَائِعِ وَجَبَ عَلَيْهِ نَقْلُهُ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَاسْتَقَرَّ الْعُرْفُ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى لَوْ بَاعَ دَارَهُ لَيْلًا لَمْ يُلْزَمِ الِانْتِقَالَ عَنْهَا فِي الْحَالِ حَتَّى يُصْبِحَ اعْتِبَارًا بِالْعَادَةِ وَالْعُرْفِ، وَلَوْ كَانَتِ الدَّارُ مَمْلُوءَةً بِمَتَاعِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُجْهِدَ نَفْسَهُ فِي نَقْلِهِ فِي يَوْمِهِ حَتَّى يَنْقُلَهُ فِي الْأَيَّامِ اعْتِبَارًا بِالْعَادَةِ وَالْعُرْفِ وَجَبَ إِذَا بَاعَهُ نَخْلًا أَلَّا يُلْزِمَهُ أَخْذَ ثَمَرِهَا فِي الْحَالِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى وَقْتِ الْجِذَاذِ اعْتِبَارًا بِالْعَادَةِ وَالْعُرْفِ.

وَلِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِالْعَادَةِ وَالْعُرْفِ فِي حُكْمِ مَا ثَبَتَ بِالشَّرْطِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْأَثْمَانَ الْمُطْلَقَةَ تُحْمَلُ عَلَى غَالِبِ النَّقْدِ كَمَا لَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالشَّرْطِ، وَالْعُرْفِ فِي الثِّمَارِ تَرَكَهَا إِلَى وَقْتِ الْجِذَاذِ، فَلَمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>