وَالثَّانِي: أَنَّ الطَّعَامَ الْمُنَجَّمَ يَحِلُّ بِمَوْتِهَا وَجْهًا وَاحِدًا، وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ بِمَوْتِ الْوَلَدِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحَقَّ عَلَى الزَّوْجَةِ فَحَلَّ بِمَوْتِهَا، وَأَنَّ الدُّيُونَ الْمُؤَجَّلَةَ تَحِلُّ بِمَوْتِ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ، وَلَا تَحِلُّ بِمَوْتِ مُسْتَوْفِيهَا، أَوْ مَنْ هِيَ لَهُ.
ثُمَّ الْجَوَابُ فِيمَا سِوَى هَذَيْنِ عَلَى مَا مَضَى.
(فَصْلٌ:)
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَنْ يَمُوتَ الزَّوْجُ فَلَا يُؤَثِّرُ مَوْتُهُ فِي فَسَادِ الْخُلْعِ، لَا فِي رَضَاعِهِ وَلَا فِي طَعَامِهِ، لَكِنْ يَكُونُ الطَّعَامُ مَوْرُوثًا لَا يَخْتَصُّ بِهِ الْوَلَدُ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ تَسْقُطُ عَنِ الْأَبِ بِمَوْتِهِ.
فَأَمَّا الرَّضَاعُ فَهَلْ يَكُونُ مَوْرُوثًا أَوْ يَكُونُ الْوَلَدُ أَحَقَّ بِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ مُخَرَّجَيْنِ مِنِ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي مَوْتِ الْوَلَدِ هَلْ يَقُومُ غَيْرُهُ فِيهِ مَقَامَهُ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ، فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ الرَّضَاعُ مَوْرُوثًا وَيَكُونُ الْوَلَدُ أَحَقَّ بِهِ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الطَّعَامُ إِلَى نُجُومِهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ غَيْرَ الْوَلَدِ يَقُومُ مَقَامَ الْوَلَدِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الرَّضَاعُ مَوْرُوثًا لَا يَخْتَصُّ بِهِ الْوَلَدُ، وَهَلْ يَحِلُّ الطَّعَامُ أَوْ يَكُونُ إِلَى نُجُومِهِ، عَلَى وَجْهَيْنِ مَضَيَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ:)
إِذَا خَالَعَ زَوْجَتَهُ عَلَى نَفَقَةِ عِدَّتِهَا وَأُجْرَةِ سُكْنَاهَا لِيَبْرَأَ مِنْهُ بِالْخُلْعِ لَمْ يَجُزْ وَكَانَ الْخُلْعُ فَاسِدًا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِيهِ بَائِنًا، وَيَرْجِعُ عليهما بمر المثل، ولا يبرئ مِنَ السُّكْنَى وَالنَّفَقَةِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَصِحُّ الْخُلْعُ عَلَى ذَلِكَ وَيَبْرَأُ مِنَ السُّكْنَى وَالنَّفَقَةِ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ النِّكَاحَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَوُجُودُ السَّبَبِ كَوُجُودِ الْمُسَبَّبِ، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ سَبَبُ وُجُوبِهَا كَوُجُوبِهَا فِي جَوَازِ الْخُلْعِ بِهَا وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا خَالَعَتْهُ عَلَى مَا لَمْ يَسْتَقِرَّ عَلَيْهِ مِلْكُهَا، وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ مَوْجُودًا فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ بَاطِلًا كَمَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى قِيمَةِ عَبْدِهَا إِنْ قَتَلَهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ أُبْرِئَ مِنَ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهَا وَهِيَ لَوْ أَبْرَأَتْهُ بِغَيْرِ خُلْعٍ لَمْ يَصِحَّ فَكَذَلِكَ بِالْخُلْعِ. فَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِأَنَّ وُجُودَ السَّبَبِ كَوُجُودِ الْمُسَبَّبِ فَغَلَطٌ، لِأَنَّ النِّكَاحَ سبب لنفقة الزوجية، وليس سبب لِنَفَقَةِ الْحَمْلِ فِي الْعِدَّةِ، وَإِنَّمَا سَبَبُ هَذِهِ النَّفَقَةِ الطَّلَاقُ وَالْحَمْلُ فَلَمْ يُوجَدِ السَّبَبُ فَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ حُكْمُ الْمُسَبَّبِ.