تَعَارَضَتَا. وَيَكُونُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الْأَقَاوِيلِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّه لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ إذا لَيْسَ لَهُ فِي أَحَدِ الدَّيْنَيْنِ أَصْلٌ يَتَرَجَّحُ بِهِ.
(فَصْلٌ)
: وَإِذَا هَلَكَ مَجْهُولُ الدِّينِ، وَتَرَكَ أَبَوَيْنِ كَافِرَيْنِ، وَابْنَيْنِ مُسْلِمَيْنِ فَادَّعَى أَبَوَاهُ أَنَّهُ مَاتَ كَافِرًا، وَادَّعَى الِابْنَانِ أَنَّهُ مَاتَ مُسْلِمًا وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا، فَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ سُرَيْجٍ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقَوْلَ فِيهِ قَوْلُ الْأَبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ مَعَ أَيْمَانِهِمَا لِأَنَّ كُفْرَهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ مَعْلُومٌ بِكُفْرِهِمَا، فَلَمْ يُقْبَلْ دَعْوَى الِابْنَيْنِ فِي حُدُوثِ إِسْلَامِهِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ اسْتِصْحَابُ كُفْرِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَكُونُ مِيرَاثُهُ مَوْقُوفًا لِتَسَاوِي الْحَالَيْنِ بَعْدَ بُلُوغِهِ فِي إِسْلَامِهِ، وَكُفْرِهِ، لِأَنَّ مَا قَبْلَ بُلُوغِهِ هُوَ فِيهِ تَبَعٌ لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بعد بلوغه، ولو كَانَ أَبَوَاهُ مُسْلِمَيْنِ، وَابْنَاهُ كَافِرَيْنِ.
فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ لِلْأَبَوَيْنِ كُفْرٌ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، حُكِمَ بِإِسْلَامِ وَلَدَيْهِمَا، وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِمَا، وَكَانَا أَحَقَّ بِمِيرَاثِهِ مِنِ ابْنَيْهِ، وَإِنْ عُلِمَ كَفْرُ الْأَبَوَيْنِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، فَيَجُوزُ أَنْ يُولَدَ قَبْلَ إِسْلَامِهِمَا فَيَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْكَفْرِ قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُولَدَ بَعْدَ إِسْلَامِهِمَا فَيَكُونُ مُسْلِمًا قَبْلَ الْبُلُوغِ فَهُمَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ النِّزَاعُ زَمَانِ وِلَادَتِهِ، فَيَدَّعِي وَالِدَاهُ أَنَّهُ وُلِدَ بَعْدَ إِسْلَامِهِمَا، وَيَدَّعِي ابْنَاهُ أَنَّهُ وُلِدَ قَبْلَ إِسْلَامِهِمَا، فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْأَبَوَيْنِ مَعَ أَيْمَانِهِمَا فِي إِسْلَامِهِ، لِأَنَّنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ حُدُوثِ وِلَادَتِهِمْ، وَفِي شَكٍّ مِنْ تَقَدُّمِهَا.
وَإِنْ كَانَ النِّزَاعُ فِي إِسْلَامِ الْأَبَوَيْنِ، فَيَدَّعِي أَبَوَاهُ أَنَّهُمَا أَسْلَمَا قَبْلَ وِلَادَتِهِ، وَيَدَّعِي ابْنَاهُ أَنَّهُمَا أَسْلَمَا بَعْدَ وِلَادَتِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الِابْنَيْنِ فِي إِسْلَامِ الْأَبَوَيْنِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ مَعَ أَيْمَانِهِمَا لِأَنَّنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ حُدُوثِ إِسْلَامِهِمَا وَفِي شَكٍّ مِنْ تُقَدِّمُهُ.
[(مسألة)]
: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّ أَبَاهُ هَلَكَ وَتَرَكَ هَذِهِ الدَّارَ مِيرَاثًا لَهُ وَلِأَخِيهِ أَخْرَجْتُهَا مِنْ يَدَيْ مَنْ هِيَ فِي يَدَيْهِ وَأَعْطَيْتُهُ مِنْهَا نَصِيبَهُ وَأَخْرَجْتُ نَصِيبَ الْغَائِبِ وَأُكْرِي لَهُ حَتَى يَحْضُرَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي رَجُلٍ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهَا لِأَبِيهِ مَاتَ عَنْهَا وَوَرِثَهَا هُوَ وَأَخُوهُ، وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً كَامِلَةً، وَكَمَالُهَا أَنْ يُشْهَدَ لَهُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ:
أَحُدُهَا: أَنْ يُشْهَدَ بِالدَّارِ لِأَبِيهِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يُشْهَدَ بِمَوْتِ أَبِيهِ، وَأَنَّهُ وَرِثَهُ هو وأخوه.