قَدْرِهَا، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهَا الرُّهُونُ فِي تَعْيِينِ قَدْرِهَا وَوَصْفِهَا مَعَ أَنَّ جِنْسَ الْأَثْمَانِ وَاحِدٌ فَيَصِحُّ تَعَيُّنُهُ بِالْعُرْفِ، وَلَيْسَ جِنْسُ الرهن واحد فَيَصِحُّ تَعَيُّنُهُ بِالْعُرْفِ، عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي الرَّهْنِ عُرْفٌ يَتَعَيَّنُ بِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَرْهَنُ الْقَلِيلَ فِي الْكَثِيرِ وَالْكَثِيرَ فِي الْقَلِيلِ، فَأَمَّا فَرْقُ أبي حنيفة بَيْنَ الرَّهْنِ وَالضَّمَانِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فَنَحْنُ نُخَالِفُهُ فِي أَصْلِهِ كَمَا نُخَالِفُهُ فِي فَرْعِهِ.
(فَصْلٌ)
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ جَهَالَةَ الرَّهْنِ وَالضَّمِينِ قَادِحَةٌ فِي صِحَّةِ الرَّهْنِ وَالضَّمَانِ وَأَنَّهُمَا لَا يَصِحَّانِ إِلَّا مُعَيَّنَيْنِ، فَالضَّامِنُ لَا يَتَعَيَّنُ إِلَّا بِشَيْءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ مُشَاهَدَةً أَوْ تَسْمِيَةً، فَالْإِشَارَةُ إِلَيْهِ مُشَاهَدَةً أَنْ يَقُولَ عَلَى أَنَّهُ تَضْمَنُ لِي هَذَا وَالْإِشَارَةُ إِلَيْهِ تَسْمِيَةً أَنْ يَقُولَ عَلَي أَنْ يَضْمَنَ لَكَ هَذَا زَيْدٌ، وَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِ الْإِشَارَةِ عَلَى غَيْرِ مُسَمًّى.
وَأَمَّا الرَّهْنُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا بِالْإِشَارَةِ إِلَيْهِ مُشَاهَدَةً أَوْ تَسْمِيَةً كَقَوْلِهِ: عَلَى أن أرهنك عبدي أَوْ أُرْهِنَكَ عَبْدِي سَالِمًا، وَإِمَّا بِالصِّفَةِ مِنْ غَيْرِ إِشَارَةٍ وَهَذَا فِيمَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا فِي السَّلَمِ كَقَوْلِهِ: عَلَى أَنْ أُرْهِنَكَ عَبْدًا خُمَاسِيًّا وَيَذْكُرُ أَوْصَافَهُ الْمُسْتَحَقَّةَ فِي السَّلَمِ فَيَصِيرُ مُعَيَّنَ الْوَصْفِ، فَإِذَا أَقْبَضَهُ عَبْدًا بِتِلْكَ الصِّفَةِ صَارَ مُعَيَّنَ الذَّاتِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ إبداله بعد قبضه بعيد عَلَى وَصْفِهِ.
فَإِذَا ثَبَتَ أَنْ تَعَيُّنَ الرَّهْنِ وَالضَّمِينِ بِمَا وَصَفْنَاهُ، فَشَرَطَ فِي الْبَيْعِ رَهْنًا أَوْ ضَمِينًا صَحَّ، وَإِنْ شَرَطَ رَهْنًا أَوْ ضَمِينًا مَجْهُولًا بَطَلَ الشَّرْطُ فِي الرَّهْنِ وَالضَّمَانِ، وَفِي بُطْلَانِ الْبَيْعِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: بَاطِلٌ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَإِنْ صَحَّ أَنْ يُعَرَّى مِنَ الرَّهْنِ وَالضَّمَانِ، فَقَدْ صَارَ الشَّرْطُ صِفَةً مِنْ صِفَاتِهِ كَالْأَجَلِ، ثُمَّ كَانَ الْجَهْلُ بِالْأَجَلِ مُبْطِلًا لِلْبَيْعِ وَإِنْ صَحَّ أَنْ يُعَرَّى مِنْهُ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْجَهْلُ بِالرَّهْنِ وَالضَّمَانِ مُبْطِلًا لِلْبَيْعِ وَإِنْ صَحَّ أَنْ يُعَرَّى مِنْهُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: فِي أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ وَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ، لِأَنَّ الرَّهْنَ يَنْفَرِدُ بِنَفْسِهِ، فَلَمْ يَكُنْ فَسَادُهُ فِي الْعَقْدِ بِنَفْسِهِ مُفْسِدًا لِمَا اقْتَرَنَ بِهِ، كَالصَّدَاقِ الَّذِي لَمَّا صَحَّ إِفْرَادُهُ عَنِ الْعَقْدِ، لَمْ يَكُنْ فِي النِّكَاحِ مُفْسِدًا لِلنِّكَاحِ الَّذِي يَقْتَرِنُ بِهِ، وَلِهَذَا فَارَقَ فَسَادَ الْأَجَلِ، لِأَنَّ الْأَجَلَ لَا يَصِحُّ إِفْرَادُهُ بِنَفْسِهِ فَكَانَ فَسَادُهُ فِي الْعَقْدِ مُفْسِدًا لِمَا اقْتَرَنَ بِهِ.
قَالَ الْمُزَنِيُّ: الرَّهْنُ فَاسِدٌ لِلْجَهْلِ بِهِ وَالْبَيْعُ جَائِزٌ لِلْعِلْمِ بِهِ، وَلِمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْ قَوْلِهِ بِأَنَّ دُخُولَ الْجَهَالَةِ فِي الرَّهْنِ وَفَسَادَهُ يُوجِبُ دُخُولَهُ الْجَهَالَةَ فِي الثَّمَنِ المضمون به، والله أعلم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute