للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي تَعْلِيقِ الْحُكْمِ، وَمَا دُونَهُ مِنَ الْأَعْدَادِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ عَدَدٌ قَدْ وُجِدَ فِي الشَّرْعِ جُمْعَةٌ انْعَقَدَتْ بِهِ، وَهُوَ حَدِيثُ أَسْعَدَ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الشَّرْعِ جُمْعَةٌ انْعَقَدَتْ بِأَرْبَعَةٍ، فَكَانَ الْعَدَدُ الَّذِي طَابَقَ الشَّرْعَ أَوْلَى، وَبِهَذَا يَبْطُلُ مَا اعْتَلُّوا بِهِ لِمَذْهَبِهِمْ

ثُمَّ مِنَ الدَّلِيلِ عَلَى فَسَادِ مَا اعْتَبَرَهُ مِنَ الْعَدَدِ: أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ عَدَدٌ لَا تُبْنَى لَهُمُ الْأَوْطَانُ غَالِبًا، فَوَجَبَ أَنْ لَا تَنْعَقِدَ بِهِمُ الْجُمْعَةُ كَالْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ

فَأَمَّا مَا اعْتَبَرَهُ مَالِكٌ فِي الْأَوْطَانِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ الْأَوْطَانَ وَالْعَدَدَ شَرْطَانِ مُعْتَبَرَانِ، فَلَمْ يَجُزْ إِسْقَاطُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، عَلَى أَنَّ اعْتِبَارَ الْعَدَدِ أَوْلَى، لِأَنَّهُ مَعْنًى يَخْتَصُّ بِمَنْ وَجَبَ الْفَرْضُ عَلَيْهِ

فَأَمَّا مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " تَجِبُ الْجُمُعَةُ فِي جَمَاعَةٍ " فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، لِأَنَّنَا نُوجِبُهَا فِي جَمَاعَةٍ، وَلَكِنِ اخْتَلَفْنَا فِي عَدَدِهَا، وَالْخَبَرُ لَا يَقْضِي عَلَى أَحَدِ الْأَعْدَادِ دُونَ غَيْرِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ لَهُمْ الِاحْتِجَاجُ بِهِ

وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَّى بِاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا حِينَ انْفَضَّ عَنْهُ أَصْحَابُهُ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، لِأَنَّ انْفِضَاضَهُمْ كَانَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ

وَقَدْ كَانَتِ انْعَقَدَتْ بِأَرْبَعِينَ، وَاسْتِدَامَةُ الْعَدَدِ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى نَذْكُرُهَا فِيمَا بَعْدُ إِنْ شاء الله تعالى

[(مسألة)]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " فَإِنْ خَطَبَ بِهِمْ وَهُمْ أَرْبَعُونَ ثُمَّ انْفَضُّوا عنه ثم رَجَعُوا مَكَانَهُمْ صَلَّوْا صَلَاةَ الْجُمُعَةِ وَإِنْ لَمْ يَعُودُوا حَتَّى تَبَاعَدَ أَحْبَبْتُ أَنْ يَبْتَدِئَ الْخُطْبَةَ فإن لم يفعل صلاها بِهِمْ ظُهْرًا "

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ

وَأَمَّا الْخُطْبَتَانِ فَوَاجِبَتَانِ، وَشَرَائِطُ الْجُمْعَةِ مُعْتَبَرَةٌ فِيهِمَا فلا يجوز أن يخطبهما إِلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ، إِذَا حَضَرَهَا أَرْبَعُونَ فَصَاعِدًا، وَوَجَبَ أَنَّ الْخُطْبَةَ أَرْبَعُ كَلِمَاتٍ، نَذْكُرُهَا فِي مَوَاضِعِهَا وَمَا سِوَاهُنَّ مِنْ سُنَنِهَا

فَإِنْ خَطَبَ فَأَتَى بِوَاجِبَاتِ الْخُطْبَةِ أَوْ بَعْضِهَا، وَالْعَدَدُ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعِينَ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمُ الْجُمْعَةَ، وَإِنْ كَانُوا عِنْدَ إِحْرَامِهِ أَرْبَعِينَ، حَتَّى يَبْتَدِئَ الْخُطْبَةَ عَلَى أَرْبَعِينَ، وَيُحْرِمُ بِالصَّلَاةِ مِعِ أَرْبَعِينَ، وَقَالَ أبو حنيفة: لَيْسَ الْعَدَدُ مُعْتَبَرًا فِي الْخُطْبَةِ، وَإِنْ كَانَ مُعْتَبَرًا فِي الصَّلَاةِ، تَعَلُّقًا بِأَنَّ الْأَذْكَارَ الَّتِي تَتَقَدَّمُ الصَّلَاةَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الِاجْتِمَاعُ كَالْأَذَانِ وَهَذَا خَطَأٌ

وَدَلِيلُنَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَطَبَ بِحَضْرَةِ أَصْحَابِهِ، وَقَالَ: " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي "، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنِ افْتَقَرَ إِلَى حُضُورِهِ فِي الصَّلَاةِ افْتَقَرَ إِلَى حُضُورِهِ فِي الْخُطْبَةِ كَالْإِمَامِ، وَلِأَنَّهَا أَذْكَارٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>