يَضْمَنُ إِذَا ذَابَ بِالشَّمْسِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَلَمْ يَضْمَنْ إِذَا ذَابَ بِالنَّارِ. قِيلَ لِأَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مَعْلُومٌ فَصَارَ كَالْقَاصِدِ لَهُ، وَدُنُوَّ النَّارِ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَلَمْ يَصِرْ قَاصِدًا لَهُ.
وَلَكِنْ لَوْ كَانَ كَاشِفُ الْإِنَاءِ وَحَالُّ الْوِكَاءِ هُوَ الَّذِي أَدْنَى النَّارَ مِنْهُ فَذَابَ ضَمِنَ وَجْهًا وَاحِدًا بِخِلَافِ الشَّمْسِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَلِأَنَّ إِدْنَاءَ النَّارِ مِنْ فِعْلِهِ وَلَيْسَ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ فِعْلِهِ وَخَالَفَ وُجُودَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسَيْنِ وَصَارَ كَتَفَرُّدِهِ بَهَتْكِ الْحِرْزِ وَأَخْذِ مَا فِيهِ فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ عَلَيْهِ وَلَا يَجِبُ لَوْ كَانَ مِنْ نَفْسَيْنِ.
فَصْلٌ
: وَإِذَا حَلَّ رَجُلٌ رِبَاطَ سَفِينَةٍ فَشَرَدَتْ بَعْدَ حَلِّ رِبَاطِهَا فَغَرِقَتْ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ غَرَقُهَا فِي الْحَالِ مِنْ غَيْرِ لُبْثٍ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ لِحُدُوثِ التَّلَفِ بِفِعْلِهِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَتَطَاوَلَ بِهَا اللُّبْثُ بَعْدَ الْحَلِّ ثُمَّ تَغْرِقَ بَعْدَهُ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَظْهَرَ سَبَبُ غَرَقِهَا بِحَادِثٍ مِنْ رِيحٍ أَوْ مَوْجٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِتَلَفِهَا بِمَا هُوَ غَيْرُ مَنْسُوبٍ إِلَيْهِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَظْهَرَ حُدُوثُ سَبَبٍ لِتَلَفِهَا فَفِي ضَمَانِهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهَا كَمَا لَا يَضْمَنُ الزِّقَّ إِذَا لَبِثَ بَعْدَ حَلِّهِ ثُمَّ مَالَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِخِلَافِ الزِّقِّ لِأَنَّ الْمَاءَ أحد المتلفات.
[مسألة]
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَلَوْ غَصَبَهُ دَارًا فَقَالَ الْغَاصِبُ هِيَ بِالْكُوفَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّ الدَّعْوَى الْمَجْهُولَةَ لَا تَصِحُّ حَتَّى تُفَسَّرَ وَأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْمَجْهُولِ يَصِحُّ وَيُؤْخَذُ الْمُقِرُّ بِالتَّفْسِيرِ فَإِذَا ابْتَدَأَ رَجُلٌ عِنْدَ الْحَاكِمِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى تَقَدَّمَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ غَصَبْتُ فُلَانًا هَذَا دَارًا جَازَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْأَلَ الْمُقَرَّ لَهُ عَنْ قَبُولِ الْإِقْرَارِ بِالدَّارِ قَبْلَ أَنْ يسأل المقرر عَنْ حُدُودِ الدَّارِ وَمَوْضِعِهَا حَتَّى إِنْ رَدَّ الْإِقْرَارَ كُفِيَ تَكَلُّفَ السُّؤَالِ وَإِنْ قَبِلَ الْإِقْرَارَ أَمْسَكَ عَنْ سُؤَالِ الْمُقِرِّ أَيْضًا عَنْ مَوْضِعِهَا وَحُدُودِهَا حَتَّى يَسْأَلَهُ الْمُقَرُّ لَهُ سُؤَالَ الْمُقِرِّ عَنْ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يَسْأَلُهُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَبَرَّعَ بِالسُّؤَالِ لَهُ عَمَّا لَمْ يَسْأَلْهُ فَإِذَا سَأَلَهُ الْمُقَرُّ لَهُ عَنْ ذَلِكَ سَأَلَ الْمُقِرَّ حِينَئِذٍ أَيْنَ الدَّارُ فَإِنْ قَالَ هِيَ بِالْبَصْرَةِ فَالْحَاكِمُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ مَوْضِعِهَا مِنْ قَبَائِلِ الْبَصْرَةِ ثُمَّ عَنْ حُدُودِهَا مِنَ الْقَبِيلَةِ وَبَيْنَ أَنْ يَسْأَلَ الْمُقَرَّ لَهُ عَنِ الدَّارِ الَّتِي غَصَبَهُ إِيَّاهَا هَلْ هِيَ بِالْبَصْرَةِ أَمْ لَا؟ حَتَّى إِنِ ادَّعَاهَا بِغَيْرِ الْبَصْرَةِ كُفِيَ تَكَلُّفَ السُّؤَالِ عَنْ مَوْضِعِهَا وَحُدُودِهَا مِنَ الْبَصْرَةِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلِلْمُقَرِّ لَهُ ثَلَاثَةُ أحوال:
أحدهما: أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ إِقْرَارَهُ بِالدَّارِ الَّتِي هِيَ بِالْبَصْرَةِ وَلَا يَدَّعِي عَلَيْهِ غَيْرَهَا فَيَحْكُمُ لَهُ بِهَا بِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا خِلَافٌ فَتَجِبَ به يمين.