للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ:

وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ يَبِيعَهَا جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ الزَّكَاةِ فِيهَا فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ وَالْبَيْعُ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ عَلَى قَوْلَيْنِ مَبْنِيَّيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي الزَّكَاةِ هل وجهت فِي الذِّمَّةِ أَوْ فِي الْعَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ بَاطِلٌ إِذَا قِيلَ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْعَيْنِ وُجُوبَ اسْتِحْقَاقٍ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ جَائِزٌ إِذَا قِيلَ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الذِّمَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ مُرْتَهِنَةً بِالْعَيْنِ.

فَإِذَا قِيلَ إِنَّ الْبَيْعَ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ جَائِزٌ فَهُوَ فِي الْبَاقِي أَجْوَزُ.

وَإِذَا قِيلَ إِنَّهُ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ بَاطِلٌ فَفِي بُطْلَانِهِ فِي الْبَاقِي قَوْلَانِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي فِيهِ الْخِيَارُ لِتَفْرِيقِ الصِّفَةِ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَحَبَّ الْفَسْخَ رَجَعَ بِالثَّمَنِ وَإِنْ أَقَامَ عَلَى الْبَيْعِ فِيمَا بَقِيَ بَعْدَ قَدْرِ الزَّكَاةِ فَعَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدِهِمَا: يُقِيمُ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ.

وَالثَّانِي: بِحِسَابِهِ مِنَ الثَّمَنِ وَقِسْطِهِ.

فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ لَمَّا رَأَى الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جوز البيع ها هنا فِيمَا سِوَى الزَّكَاةِ وَأَبْطَلَهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ في كتاب الزكاة اعتراض عَلَيْهِ فِي إِغْفَالِ الْقَوْلِ الْآخَرِ، وَهَذَا اعْتِرَاضٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا كَانَ لَهُ قَوْلَانِ فِي مَسْأَلَةٍ، فَلَيْسَ يَلْزَمُهُ إِعَادَتُهُمَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، فَإِذَا فَرَّعَ عَلَى أَحَدِهِمَا لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا عَنِ الآخر. والله أعلم.

[مسألة:]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَا يَرْجِعُ مَنِ اشْتَرَى الثَّمَرَةَ وَسُلِّمَتْ إِلَيْهِ بِالْجَائِحَةِ عَلَى الْبَائِعِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ سُفْيَانُ وَهَنَ حَدِيثُهُ فِي الْجَائِحَةِ لَصِرْتُ إِلَيْهِ فَإِنِّي سَمِعْتُهُ مِنْهُ وَلَا يَذْكُرُ الْجَائِحَةَ ثُمَّ ذَكَرَهَا وَقَالَ كَانَ كَلَامٌ قَبْلَ وَضْعِ الْجَوَائِحِ لَمْ أَحْفَظْهُ وَلَوْ صِرْتُ إِلَى ذَلِكَ لَوَضَعْتُ كُلَّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ أُصِيبَ مِنَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ جِنَايَةِ أَحَدٍ فَإِمَّا أَنْ يُوضَعَ الثُّلْثُ فَصَاعِدًا وَلَا يُوضَعُ مَا دُونَهُ فَهَذَا لَا خَبَرٌ وَلَا قِيَاسٌ وَلَا مَعْقُولٌ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي رجل باع ثمرة على رؤوس نخلها وسلمت إلى المشتري وتلفت بِالْجَائِحَةِ قَبْلَ جِدَادِهَا فَقَدْ كَانَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّهَا مِنْ ضَمَانِ بَائِعِهَا وَأَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ، وَبِهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ، وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ.

وَرَجَعَ عَنْ هَذَا فِي الْجَدِيدِ وَقَالَ تَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَبْطُلُ البيع بتلفها وبه قول أبو حنيفة وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ.

وَقَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنْ كَانَ تَلَفُهَا بِجِنَايَةِ آدَمِيٍّ، فَهِيَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>