وَحَثْوِ التُّرَابِ عَلَيْهِ، وَرُوِيَ عَنِ الصَّحَابَةِ: أَنَّهُمْ حَدُّوهُ بِالسِّيَاطِ. فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي حَدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالثياب والنعال هل كان بعذر أو شرع؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: أَنَّهُ كَانَ لعذر في الشارب مِنْ مَرَضٍ، أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ نِضْوًا، كَمَا حَدَّ مُقْعَدًا بَأَثْكَالِ النَّخْلِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ حد الصحابة بالسياط نصاً في غير المعذور لأنه جنس ما يستوفى بِهِ الْحُدُودُ. فَيُحَدُّ بِالسِّيَاطِ، وَيَكُونُ حَدُّ الْخَمْرِ مُخَفَّفًا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ. وَهُوَ مِقْدَارُ الْعَدَدِ دُونَ صِفَةِ الْحَدِّ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ: أَنَّ حَدَّهُ بِالثِّيَابِ وَالنِّعَالِ كَانَ شَرْعًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَفَّفَ بِهِ حَدَّ الْخَمْرِ كَمَا خَفَّفَهُ فِي الْعَدَدِ. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ عُدُولُ الصَّحَابَةِ عَنْهُ إِلَى السِّيَاطِ عَنِ اجْتِهَادٍ مِنْهُمْ فِيهِ حِينَ تهافتوا فِي الْخَمْرِ، وَاسْتَهَانُوا بِحَدِّهِ، كَمَا اجْتَهَدُوا فِي زِيَادَةِ الْعَدَدِ إِلَى الثَّمَانِينَ. وَيَكُونُ حَدُّ الْخَمْرِ مُخَفَّفًا مِنْ وَجْهَيْنِ:
فِي مِقْدَارِ الْعَدَدِ، وَصِفَةِ الْحَدِّ، وَيَكُونُ الْعُدُولُ إِلَى السِّيَاطِ اجْتِهَادًا. كَمَا كَانَتِ الزِّيَادَةُ إِلَى الثَّمَانِينَ اجْتِهَادًا. فَأَمَّا التَّبْكِيتُ وَحَثْوُ التُّرَابِ، فَزِيَادَةٌ فِي التَّعْزِيرِ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْحَدِّ، وَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ فِي فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ)
قَالَ الشافعي: " وَإِذَا ضَرَبَ الْإِمَامُ فِي خَمْرٍ أَوْ مَا يسكر من شراب بِنَعْلَيْنِ أَوْ طَرَفِ ثَوْبٍ أَوْ رِدَاءٍ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ ضَرْبًا يُحِيطُ الْعِلْمُ أَنَّهُ لَمْ يُجَاوِزْ أَرْبَعِينَ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَالْحَقُّ قَتَلَهُ) .
قال الماوردي: إِذَا جَلَدَ الْإِمَامُ فِي الْخَمْرِ أَرْبَعِينَ اقْتِصَارًا على الحدود دُونَ التَّعْزِيرِ فَمَاتَ الْمَحْدُودُ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ ضَرْبُهُ بِالنِّعَالِ، وَأَطْرَافِ الثِّيَابِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْإِمَامِ فِي مَوْتِهِ. لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا أَمَرَ بِجَلْدِ ابْنِهِ فِي الشَّرَابِ قال له ابنه: با أَبَتِي قَتَلْتَنِي. فَقَالَ لَهُ: الْحَقُّ قَتَلَكَ. وَمَعْلُومٌ أن قتل الْحَقِّ غَيْرُ مَضْمُونٍ.
وَلِأَنَّ حُدُوثَ التَّلَفِ عَنِ الحدود الواجبة هدر لا تضمن كَجَلْدِ الزَّانِي، وَحَدِّ الْقَاذِفِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَحُدَّهُ الْأَرْبَعِينَ بِالسِّيَاطِ فَيَمُوتُ، فَفِي ضَمَانِهِ وَجْهَانِ مِنَ اخْتِلَافِ الْوَجْهَيْنِ فِي حَدِّهِ بِالنِّعَالِ وَالثِّيَابِ، (قيل) هل كان لعذر أو شرع؟ :
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute