للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْفَرْقُ الثَّالِثُ: أَنَّ تَخْصِيصَ الْعُمُومِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ فَيَخُصُّ عُمُومَ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ، وَلَا يَجُوزُ فِي النَّسْخِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ النَّاسِخُ مِنْ جِنْسِ الْمَنْسُوخِ فَيُنْسَخُ الْكِتَابُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةُ بِالسُّنَّةِ.

وَالْفَرْقُ الرَّابِعُ: أَنَّ تَخْصِيصَ الْعُمُومِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَحْكَامِ وَالْأَخْبَارِ وَالنَّسْخُ مُخْتَصٌّ بِالْأَحْكَامِ دُونَ الْأَخْبَارِ.

وَالْفَرْقُ الْخَامِسُ: أَنَّ تَخْصِيصَ الْعُمُومِ يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ وَالنَّسْخَ يَكُونُ عَلَى التَّرَاخِي فَهَذَا بَيَانُ الْأَقْسَامِ السَّبْعَةِ مِنْ أَحْكَامِ الْأَصْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْكِتَابُ.

(فَصْلٌ: [المصدر الثاني - السنة] )

وَأَمَّا الْأَصْلُ الثَّانِي مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ فَهُوَ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.

لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَتَمَ بِرَسُولِهِ النُّبُوَّةَ، وَكَمَّلَ بِهِ الشَّرِيعَةَ، وَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى بَيَانَ مَا أَخْفَاهُ مِنْ مُجْمَلٍ أَوْ مُتَشَابِهٍ، وَإِظْهَارَ مَا يُشَرِّعُهُ مِنْ أَحْكَامٍ وَمَصَالِحٍ فَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤] .

( [القول في حجية السنة] )

وَلَمَّا جَعَلَهُ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ أَوْجَبَ عَلَى النَّاسِ طَاعَتَهُ فِي قَبُولِ مَا شَرَعَهُ لَهُمْ وَامْتِثَالِ مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْهُ فَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: ٧] .

وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ لِأُمَّتِهِ أَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: الْبَيَانُ.

وَالثَّانِي: الْبَلَاغُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: ٦٧] .

وَأَوْجَبَ لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَى أُمَّتِهِ أَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: طَاعَتَهُ فِي قَبُولِ قَوْلِهِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يُبَلِّغُوا عَنْهُ مَا أَخْبَرَهُمْ بِهِ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ " وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " بَلِّغُوا عَنِّي وَلَا تَكْذِبُوا عَلَيَّ فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ ".

وَلَمَّا كَانَ الرَّسُولُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُبَلِّغَ جَمِيعَ النَّاسِ لِلْعَجْزِ عَنْهُ اقْتَصَرَ عَلَى إِبْلَاغِ مَنْ حَضَرَ لِيَنْقُلَهُ الْحَاضِرُ إِلَى الْغَائِبِ.

وَلَمَّا لَمْ يَبْقَ فِيهِمْ إِلَى الْأَبَدِ فَكُلُّ مَنْ يَأْتِي فِي عَصْرٍ بَعْدَ عَصْرٍ يَأْخُذُونَ عَمَّنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>