للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَقَدَّمَهُمْ مِنْ عَصْرٍ وَيَنْقُلُونَ إِلَى مَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ عَصْرٍ لِيَنْقُلَ عَنْهُ كُلُّ سَلَفٍ إِلَى خَلَفِهِ فَيَسْتَدِيمُ عَلَى الْأَبَدِ نَقْلُ سُنَّتِهِ وَيُعْلَمُ جَمِيعُ مَا يَأْتِي لِشَرَائِعِهِ.

فَصَارَ نَقْلُ الْأَخْبَارِ عَنْهُ وَاجِبًا عَلَى أَهْلِ كُلِّ عَصْرٍ وَقَبُولُهَا وَاجِبًا فِي كُلِّ عَصْرٍ.

فَلِذَلِكَ صَارَتِ الْأَخْبَارُ عَنْهُ، أَصْلًا مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ.

( [الْقَوْلُ فِي بَيَانِ الْأَخْبَارِ] )

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْأَخْبَارُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: أَخْبَارُ اسْتِفَاضَةٍ، وَأَخْبَارُ تَوَاتُرٍ، وَأَخْبَارُ آحاد.

( [الخبر المستفيض] )

فَأَمَّا أَخْبَارُ الِاسْتِفَاضَةِ: فَهُوَ أَنْ تَبْدُوَ مُنْتَشِرَةً مِنَ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ وَيَتَحَقَّقُهَا الْعَالِمُ وَالْجَاهِلُ فَلَا يَخْتَلِفُ فِيهَا مُخْبِرٌ وَلَا يَتَشَكَّكُ فِيهَا سَامِعٌ ويكون انتشارها في ابتدائها كانتشارها فِي ابْتِدَائِهَا كَانْتِشَارِهَا فِي آخِرِهَا وَهَذَا أَقْوَى الأخبار حالا وأثبتها حكما.

(أخبار التواتر)

وَأَمَّا أَخْبَارُ التَّوَاتُرِ: فَهُوَ مَا ابْتَدَأَ بِهِ الْوَاحِدُ بَعْدَ الْوَاحِدِ حَتَّى يَكْثُرَ عَدَدُهُمْ وَيَبْلُغُوا قَدْرًا يَنْتَفِي عَنْ مِثْلِهِ التَّوَاطُؤُ وَالْغَلَطُ وَلَا يَعْتَرِضُ فِي خَبَرِهِمْ تَشَكُّكٌ وَلَا ارْتِيَابٌ فَيَكُونُ فِي أَوَّلِهِ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ وَفِي آخِرِهِ مِنْ أَخْبَارِ التَّوَاتُرِ فَيَصِيرُ مُخَالِفًا لِخَبَرِ الِاسْتِفَاضَةِ في أوله موافقا له في آخره.

( [الفرق بين الاستفاضة والتواتر] )

وَيَكُونُ الْفَرْقُ بَيْنَ خَبَرِ الِاسْتِفَاضَةِ وَخَبَرِ التَّوَاتُرِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: مَا ذَكَرْنَاهُ مِنِ اخْتِلَافِهِمَا فِي الِابْتِدَاءِ وَاتِّفَاقِهِمَا فِي الِانْتِهَاءِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ أَخْبَارَ الِاسْتِفَاضَةَ لَا يُرَاعَى فِيهَا عَدَالَةُ الْمُخْبِرِ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّ أَخْبَارَ الِاسْتِفَاضَةِ تَنْتَشِرُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِرِوَايَتِهَا، وَأَخْبَارَ التَّوَاتُرِ مَا انْتَشَرَتْ عَنْ قَصْدٍ لِرِوَايَتِهَا.

ثُمَّ يَسْتَوِي الْخَبَرَانِ فِي انْتِفَاءِ التَّشَكُّكِ عَنْهُمَا وَوُقُوعِ الْعِلْمِ بِهِمَا وَلَيْسَ الْعَدَدُ فِيهِمَا مَحْصُورًا لِتَكُونَ أَنْفَى لِلِارْتِيَابِ وَأَمْنَعَ مِنَ التَّصَنُّعِ، وَإِنَّمَا الشَّرْطُ فِيهِمَا أَنْ يَنْتَفِيَ عَنِ الْمُخْبِرِينَ بِهِمَا لِجَوَازِ التَّوَاطُؤِ عَلَى الْكَذِبِ وَيَمْتَنِعُ اتِّفَاقُهُمْ فِي السَّهْوِ وَالْغَلَطِ حَتَّى يَزُولَ الشَّكُّ وَيَحْصُلَ الْيَقِينُ، ثُمَّ تَنْتَهِي إِلَى عَصْرٍ بَعْدَ عَصْرٍ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ وَالْمُسْتَفِيضُ مِنْ أَخْبَارِ السُّنَّةِ مِثْلُ أَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ وَالْمُتَوَاتِرُ مِنْهَا مِثْلُ نُصُبِ الزَّكَوَاتِ.

فَإِنْ قِيلَ فَقَدِ اسْتَفَاضَ فِي النَّصَارَى قَتْلُ الْمَسِيحِ وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ بِكَذِبِهِمْ، قِيلَ إِنَّمَا اسْتَفَاضَ خَبَرُ قَتْلِهِ عَنْ أَرْبَعَةٍ ذَكَرُوا أَنَّهُمْ شَاهَدُوا قَتْلَهُ، قِيلَ: إنهم متى ولوقا وماريقس

<<  <  ج: ص:  >  >>