للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويوحنا وهم عدد يجوز على مثله التَّوَاطُؤُ وَالْغَلَطُ ثُمَّ اسْتَفَاضَ عَنْهُمُ الْخَبَرُ فَصَارَ أَصْلُهُ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ وَانْتِشَارُهُ مِنْ أَخْبَارِ الِاسْتِفَاضَةِ.

( [الْقَوْلُ فِي أَخْبَارِ الْآحَادِ] )

وَأَمَّا أَخْبَارُ الْآحَادِ فَهُوَ مَا أَخْبَرَ الْوَاحِدُ وَالْعَدَدُ الْقَلِيلُ الَّذِي يَجُوزُ عَلَى مِثْلِهِمُ التَّوَاطُؤُ عَلَى الْكَذِبِ، أَوْ الِاتِّفَاقِ فِي السَّهْوِ، وَالْغَلَطِ، وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:

أَحَدُهَا: أَخْبَارُ الْمُعَامَلَاتِ.

وَالثَّانِي: أَخْبَارُ الشَّهَادَاتِ.

وَالثَّالِثُ: أَخْبَارُ السُّنَنِ وَالدِّيَانَاتِ.

فَأَمَّا أَخْبَارُ الْمُعَامَلَاتِ: فَلَا تُرَاعَى فِيهَا عَدَالَةُ الْمُخْبِرِ وَإِنَّمَا يُرَاعَى فِيهَا سُكُونُ النَّفْسِ إِلَى خَبَرِهِ فَتُقْبَلُ مِنْ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ وَمُسْلِمٍ وَكَافِرٍ وَصَغِيرٍ وَبَالِغٍ، فَإِذَا قَالَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ هَذِهِ هَدِيَّةُ فُلَانٍ إِلَيْكَ جَازَ أَنْ تَعْمَلَ عَلَى قَوْلِهِ، وَفِي الدُّخُولِ لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ مَقْبُولٌ وَإِنَّمَا لَمْ تُعْتَبَرْ فِي هَذَا الْخَبَرِ عَدَالَةُ الْمُخْبِرِ لِأَنَّ الْعُرْفَ جَازَ بِاسْتِنَابَةِ أَهْلِ الْبِذْلَةِ فِيهِ، وَمَنْ خَرَجَ عَنْ حَدِّ الصِّيَانَةِ وَذَلِكَ مُنَافٍ لِشُرُوطِ الْعَدَالَةِ فَلِذَلِكَ سَقَطَ اعْتِبَارُهَا فِيهِمْ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا أَخْبَارُ الشَّهَادَاتِ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا شَرْطَانِ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِمَا وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِمَا:

أَحَدُهُمَا: الْعَدَالَةُ؛ لِأَنَّ الْمُنْتَدَبَ لَهَا أَهْلُ الصِّيَانَةِ فَوَجَبَ أَنْ تُعْتَبَرَ فِيهِمُ الْعَدَالَةُ لِيَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالصِّيَانَةِ.

وَالثَّانِي: الْعَدَدُ بِحَسْبِ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ: وَأَكْثَرُهُ أَرْبَعَةٌ فِي الزِّنَا وَأَقَلُّهُ اثْنَانِ فِي الْأَمْوَالِ فَصَارَتِ الشَّهَادَةُ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَغْلَظَ مِنْ أَخْبَارِ الْمُعَامَلَاتِ، وَإِنْ كَانَا جَمِيعًا مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ.

وَأَمَّا أَخْبَارُ السُّنَنِ وَالْعِبَادَاتِ فَمُخْتَلَفٌ فِي قَبُولِ الْآحَادِ فِيهَا.

فَمَنَعَ مِنْهَا قَوْمٌ كَالْأَصَمِّ وَابْنِ عُلَيَّةَ وَعَدَلُوا عَنْهَا إِلَى غَيْرِهِ مِنْ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ، لِأَنَّهَا لا توجب العلم فلم توجب العمل، ووفقها آخَرُونَ عَلَى مَا يُعَضِّدُهَا مِنَ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْعَمَلِ بِهَا.

وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى قَبُولِهَا وَوُجُوبِ الْعَمَلِ بِهَا عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِيهَا، لِقَوْلِ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة: ١٢٣] الْآيَةَ؛ فَلَوْ لَمْ تَلْزَمِ الْحُجَّةُ بِالْآحَادِ النَّافِرَةِ لَأَمَرَ فِيهِ بِالتَّوَاتُرِ وَالِاسْتِفَاضَةِ وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ فَنَقْلَ إِلَيْهِمُ السُّنَنَ وَعَلَّمَهُمُ الْعِبَادَاتِ وَنُصُبَ الزَّكَوَاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>