للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَوْضَحَ لَهُمُ الْأَحْكَامَ فَالْتَزَمُوهَا بِخَبَرِهِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي عَصْرِهِ مَا عَدَلُوا إِلَيْهِ فِيهَا وَلَا طَلَبُوا مَعَ مُعَاذٍ زِيَادَةً عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَرْضُ الْإِبْلَاغِ بِذِكْرِ الْآحَادِ لَزِمَ فِيهَا قَبُولُ أَخْبَارِ الْآحَادِ، وَلَوْ لَزِمَ فِيهَا الْعَدَدُ الْمُتَوَاتِرُ لَأَدَّاهَا إِلَى الْعَدَدِ الْمُتَوَاتِرِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ لِلْمُسْتَفْتِي أَنْ يَعْمَلَ عَلَى فُتْيَا الْمُفْتِي جَازَ لِلْمُسْتَخْبِرِ أَنْ يَعْمَلَ عَلَى رِوَايَةِ الْمُخْبِرِ؛ لِأَنَّهُمَا في أحكام الدين على سواء.

( [وجوب العمل بخبر الواحد] )

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ أَخْبَارَ الْآحَادِ حُجَّةٌ تُوجِبُ الْعَمَلَ بِهَا فَقَدِ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهَا.

فَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِرَاقِ إِلَى أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ إِلَّا مِنِ اثْنَيْنِ عَلَى اثْنَيْنِ حَتَّى تَتَّصِلَ بِالرَّسُولِ كَأَقَلِّ الشَّهَادَاتِ.

وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ إِلَّا مِنْ أَرْبَعَةٍ عَنْ أَرْبَعَةٍ كَأَكْثَرِ الشَّهَادَاتِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْعَدَدَ فِيهَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَةِ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهَا وَاحِدٌ، وَقَدْ عَمِلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي مِيرَاثِ الْجَدَّةِ وَأَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنَ الْمَجُوسِ، وَعَمِلَ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي دِيَةِ الْجَنِينِ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمَا أَحَدٌ مَعَ انْتِشَارِهِ وَاشْتِهَارِهِ وَلِأَنَّ مَا يَجُوزُ فِي الْوَاحِدِ مِنْ الِاحْتِمَالِ يَجُوزُ فِي الِاثْنَيْنِ وَالْأَرْبَعَةِ، وَلَيْسَ اعْتِبَارُ أَخْبَارِ السُّنَنِ بِالشَّهَادَةِ بِأَوْلَى مِنِ اعْتِبَارِهَا بِأَخْبَارِ الْمُعَامَلَةِ، لِأَنَّهَا وَاسِطَةٌ بَيْنَهُمَا فَاعْتُبِرَ فِيهَا الْعَدَالَةُ كَالشَّهَادَةِ، وقبل فيها خبر الواحد كالمعاملة.

( [القول في خبر الواحد إذا عارضه أصل] )

وَإِذَا ثَبَتَ قَبُولُهَا مِنَ الْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَةِ وَجَبَ الْعَمَلُ بِمَا تَضَمَّنَهَا مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ الْعَقْلُ.

وَامْتَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنَ الْعَمَلِ بِهَا إِذَا خَالَفَتِ الْأُصُولَ وَلِذَلِكَ لَمْ يَعْمَلْ بِخَبَرِ المصراة.

ومنع مالك من العمل بها، وإذا خَالَفَتْ عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَعْمَلْ عَلَى خِيَارِ الْمَجْلِسِ فِي الْبَيْعِ وَهُوَ الرَّاوِي لَهُ.

وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ أَصْلٌ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُدْفَعَ بِأَصْلٍ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُدْفَعَ بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ وَإِنْ أَوْجَبَ الْعَمَلَ فَغَيْرُ مُوجِبٍ لِلْعِلْمِ الْبَاطِنِ بِخِلَافِ الْمُسْتَفِيضِ وَالْمُتَوَاتِرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>