فَدَلَّ هَذَا عَلَى بَقَائِهِمْ مَعَ الْأَزْوَاجِ بَعْدَ الزنا، فأما تحريم اجتماع المائين في فرج فنحن على تحريمهما وإذا اجتمعا ثبت حكم الحلال منهما، وَسَقَطَ حُكْمُ الْحَرَامِ.
فَصْلٌ
وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّالِثُ في الزنا هل يتعلق عليه شيء من أَحْكَامِ النِّكَاحِ أَمْ لَا؟ فَالْكَلَامُ فِي هَذَا يَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: فِي الزِّنَا: هَلْ ينتشر عنه حرمته في تحريم المصاهرة حتى تحرم عَلَيْهِ أُمَّهَاتُهَا وَبَنَاتُهَا، وَيَحْرُمَ عَلَى آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ أم لا؟ والكلام فِي هَذَا بَابٌ مُفْرَدٌ يَأْتِي نَحْنُ نَذْكُرُهُ فيه.
الفصل الثاني: هل لما ذكرناه حُرْمَةٌ تَجِبُ بِهَا الْعِدَّةُ أَمْ لَا؟ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ فِي وُجُوبِ الْعِدَّةِ مِنْهُ سَوَاءً كَانَتْ حَامِلًا مِنَ الزِّنَا أو حائلاً، وسواء كانت ذات زوج فيحل لِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا فِي الْحَالِ أَوْ كَانَتْ خَلِيَّةً فَيَجُوزُ لِلزَّانِي وَغَيْرِهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَ الْعَقْدَ عَلَيْهَا فِي الْحَالِ حَامِلًا كَانَتْ أَوْ حَائِلًا غير أننا نكره له وطئها فِي حَالِ حَمْلِهَا حَتَّى تَضَعَ.
وَقَالَ مَالِكٌ وربيعة والثوري والأوزاعي وإسحاق: عليها العدة من وطء الزنا بالإقرار إن كانت حائلاً ووضع الحمل إن كان حَامِلًا، فَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ حَرُمَ عَلَيْهِ وطئها حتى تنقضي العدة بالإقرار أَوِ الْحَمْلِ وَإِنْ كَانَتْ خَلِيَّةً حَرُمَ عَلَى الناس كلهم نكاحها حتى تنقضي عدتها بالإقرار أو بالحمل.
وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ وأبو يوسف: إِنْ كَانَتْ حَامِلًا حَرُمَ نِكَاحُهَا حَتَّى تَضَعَ، وَإِنْ كَانَتْ حَائِلًا لَمْ يَحْرُمْ نِكَاحُهَا وَلَمْ تَعْتَدَّ.
وَقَالَ أبو حنيفة: لَا يَحْرُمُ نِكَاحُهَا حَامِلًا وَلَا حَائِلًا لَكِنْ إِنْ نَكَحَهَا حَامِلًا حَرُمَ عَلَيْهِ وطئها حتى تضع.
فأما مالك فَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَلَا لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا غَيْرَ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ ".
وَأَمَّا أبو يوسف فَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأُوْلاَتِ الأحْمَالِ أَجَلَهُنَّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} .
وَأَمَّا أبو حنيفة فَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تَسْقِ بِمَائِكَ زَرْعَ غَيْرِكَ ".
وَالدَّلِيلُ عَلَى جَمَاعَتِهِمْ حَدِيثُ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ "، وَأَنَّ عُمَرَ حِينَ جَلَدَ الْغُلَامَ وَالْجَارِيَةَ حَرَصَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ عِدَّةٍ فَأَبَى الْغُلَامُ، وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْعِدَّةِ مِنَ الْمَاءِ إِنَّمَا يَكُونُ لِحُرْمَتِهِ وَلُحُوْقِ النَّسَبِ بِهِ وَلَا حُرْمَةَ لِهَذَا الماء تقضي