وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الْغُرُّ الْبَيْضُ بِطُلُوعِ الْقَمَرِ فِي جَمِيعِهَا.
رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِي الْأَزْهَرِ عَنْ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " صُومُوا الشَّهْرَ وَسِرَّهُ " وَفِيهِ تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ عَنَى بِالشَّهْرِ رَمَضَانَ وَسِرِّهِ الْأَيَّامَ السِّتَّةَ الَّتِي تَلِيهِ مِنْ أَوَّلِ شَوَّالٍ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَرَادَ بِالشَّهْرِ مُسْتَهَلَّ الشَّهْرِ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْهِلَالَ شهراً قال الشاعر:
(أخوان مِنْ نجدٍ عَلَانِيَةً ... وَالشَّهْرُ مِثْلُ قُلَامَةِ الظُّفْرِ)
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ أَمَرَ بِصِيَامِ الشَهْرِ مِنْ كُلِّ شهرٍ، وفيه ثلاثة تأويلات:
أحدهما: أنها أيام الْبِيضُ.
وَالثَّانِي: إِنَّهَا الْأَيَّامُ الْأُوَلُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ.
وَالثَّالِثُ: إِنَّهُ أَكْثَرُهُ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْأَيَّامِ الْبِيضِ، هَلْ كَانَتْ فَرْضًا ثُمَّ نُسِخَتْ؟ عَلَى مَذْهَبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهَا كَانَتْ فَرْضًا ثُمَّ نُسِخَتْ بِشَهْرِ رَمَضَانَ.
وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: وَهُوَ أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، إِنَّهَا سُنَّةٌ لَمْ تَزَلْ، وَاخْتَلَفُوا فِي زَمَانِهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الثَّانِيَ عَشَرَ، وَمَا يَلِيهِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: الثَّالِثَ عَشَرَ وَمَا يَلِيهِ.
فَصْلٌ
: وَمِنْهَا صِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ، وَكَرِهَ صِيَامَهَا مَالِكٌ وأبو حنيفة لِأَنَّ فِي صِيَامِهَا ذَرِيعَةً إِلَى زِيَادَةِ الصَّوْمِ فَشَابَهَتْ يَوْمَ الشَّكِّ، وَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ صِيَامَهَا سُنَّةٌ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، وَأَتْبَعَهُ بستةٍ مِنْ شوالٍ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَهْرَ كُلَّهُ " يَعْنِي: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعْطِي بِالْحَسَنَةِ عَشْرًا فَتَحْصُلُ لَهُ بِشَهْرِ رَمَضَانَ وَهُوَ ثَلَاثُونَ يَوْمًا بِثَلَاثِمِائَةِ حَسَنَةٍ وَبِسِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ سِتُّونَ حَسَنَةً، وَذَلِكَ عَدَدُ أيام السنة.