للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْمُزَنِيُّ: سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَنْ حَدِيثِ صَفِيَّةَ فَقَالَ إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَعْتَقَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.

قَالَ الْمُزَنِيُّ: كَأَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ مَخْصُوصٌ للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا خُصَّ بِهِ فِي أَمْرِ صَفِيَّةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ خُصَّ بِأَنْ صَارَ عِتْقُهَا نِكَاحَهَا وَلَا يَصِيرُ عِتْقُ غَيْرِهِ مَنْ أُمَّتِهِ نِكَاحًا.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ خُصَّ بِأَنْ وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِهِ وَلَا يجب على غيرها أن تتزوج بغيره.

والثالث: أنه خُصَّ بِأَنْ لَمْ يَلْزَمْهُ لَهَا صَدَاقٌ وَغَيْرُهُ يَلْزَمُهُ الصَّدَاقُ.

وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ خُصَّ بِأَنْ صَارَتْ قِيمَتُهَا وَإِنْ جَهِلَتْ صَدَاقًا مِنْهُ وَلَا تَكُونُ الْقِيمَةُ إِذَا جَهِلَتْ صَدَاقًا مِنْ غَيْرِهِ.

فَصْلٌ

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا لَا تُجْبَرُ عَلَى نِكَاحِهِ إِذَا أَبَتْ فَكَذَلِكَ لَوْ بَذَلَتْ لَهُ نَفْسَهَا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى نِكَاحِهَا إِذَا أَبَى لَأَنَّ الشَّرْطَ إِذَا لَمْ يُوجِبْ إِجْبَارَهَا لَمْ يُوجِبْ إِجْبَارَهُ، وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى خِيَارِهِ، وإذا كانا كذلك فلها حَالَتَانِ.

إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَتَنَاكَحَا.

وَالثَّانِيَةُ: أَنْ لَا يَتَنَاكَحَا.

فَإِنْ لَمْ يَتَنَاكَحَا إِمَّا لِامْتِنَاعِهِ أَوِ امْتِنَاعِهَا فَلَهُ عَلَيْهَا قِيمَتُهَا وَإِنَّمَا وَجَبَتْ لَهُ عَلَيْهَا قِيمَتُهَا، لِأَنَّهُ أَعْتَقَهَا عَلَى شَرْطِ مَنَعَ الشَّرْعُ مِنْ لُزُومِهِ، فَإِذَا فَاتَهُ الرُّجُوعُ بِرَقَبَتِهَا لِنُفُوذِ الْعِتْقِ رَجَعَ بِقِيمَتِهَا كَمَا لَوْ أَعْتَقَهَا على حمى أو حرى تَجِبُ لَهُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْعِتْقِ لَا يَوْمَ الرُّجُوعِ بِالْقِيمَةِ، لِأَنَّ بِالْعِتْقِ وَقَعَ الِاسْتِهْلَاكُ الْمُوجِبُ لِلْقِيْمَةِ، وَهَكَذَا لَوْ أَعْتَقَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ أُمَّ وَلَدِهِ أَوْ مُكَاتَبَتَهُ أَوْ مُدَبَّرَتَهُ لَمْ يَلْزَمْهُنَّ أَنْ يَتَزَوَّجْنَ بِهِ وَكَانَ لَهُ عَلَى كل واحدة منهن لأنهن سواء في تفارقهن فَتَسَاوَيْنَ فِي عِتْقِهِنَّ، وَهَكَذَا لَوْ أَعْتَقَهُنَّ عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهِنَّ، وَلَمْ يَقُلْ عَلَى أَنَّ عِتْقَهُنَّ صَدَاقَهُنَّ كَانَ الْعِتْقُ نَافِذًا وَلَهُ عَلَيْهِنَّ قيمتهن، لأن الشرط الذي فِي مُقَابَلَةِ عِتْقِهِنَّ لَمْ يَلْزَمْهُنَّ فَوَجَبَ الْعُدُولُ عنه إلى قيمتهن.

[فصل]

فإذا اتفقا على أن نكحها فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَنْكِحَهَا عَلَى صداق معلوم معيناً أو في الذمة فالنكاح بلا صداق جائز وَلَهُ عَلَيْهَا قِيمَتُهَا وَلَهَا عَلَيْهِ صَدَاقُهَا، فَإِنْ كَانَ الصَّدَاقُ مُعَيَّنًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ قِصَاصًا وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْقِيمَةِ لَمْ يَكُنْ قِصَاصًا أَيْضًا، وإن كان في الذمة مَنْ جِنْسِ الْقِيمَةِ فَهَلْ يَكُونُ قِصَاصًا أَمْ لَا؟ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَقَاوِيلِ الْأَرْبَعَةِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَنْكِحَهَا عَلَى أَنْ يَكُونَ عِتْقُهَا صَدَاقَهَا وَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَالصَّدَاقُ بَاطِلٌ وَقَالَ أبو حنيفة: الصَّدَاقُ جَائِزٌ، وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ الْعِتْقَ لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا عَمَلٍ يُعْتَاضُ عَلَيْهِ بمال

<<  <  ج: ص:  >  >>